للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَاسُوا شدَائِدَ، فَبالغ صَاحِبُ أَصْبَهَان علاَءُ الدَّوْلَةِ فِي إِكرَامِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ خَادِمُهُ: وَكَانَ الشَّيْخُ قويَّ القُوَى كُلِّهَا، يُسْرِفُ فِي الجِمَاع، فَأَثَّر فِي مِزَاجه، وَأخذه القُولَنْجُ حَتَّى حقن نَفْسَهُ فِي يَوْم ثَمَان مَرَّات، فتقرَّحَ مِعَاهُ، وَظهر بِهِ سَحْجٌ (١) ، ثُمَّ حصل لَهُ الصَّرعُ الَّذِي يتبع علَّةَ القُولَنْج، فَأَمر يَوْماً بدَانِقَين مِنْ بِزْرِ الكَرَفْسِ فِي الحُقْنَة، فَوَضَع طبيبُه عمداً أَوْ خطأً زنَةَ خَمْسَةِ دَرَاهِم، فَازدَاد السَّحْجُ، وَتنَاول مثروذيطوس (٢) لأَجل الصَّرعِ، فكثَّرهُ غُلاَمُه، وَزَادَهُ أَفيون، وَكَانوا قَدْ خَانوهُ فِي مَالٍ كَثِيْر، فتمنَّوا هلاَكَهُ، ثُمَّ تصلَّح، لَكِنَّهُ مَعَ حَاله يُكْثِرُ الجمَاع، فينتكِسُ، وَقصد علاَءُ الدَّوْلَة هَمَذَانَ، فَسَارَ مَعَهُ الشَّيْخُ، فَعَاودته العِلَّةُ فِي الطَّرِيْق، وَسقطت قوتُه فَأَهمل الْعِلَاج، وَقَالَ:

مَا كَانَ يُدَبِّر بدنِي عَجَزَ، فَلاَ تنفعُنِي المعَالجَة (٣) .

وَمَاتَ: بِهَمَذَانَ بَعْد أَيَّام وَلَهُ ثَلاَثٌ وَخمسُوْنَ سَنَة.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَان (٤) :ثُمَّ اغتسلَ وَتَابَ، وَتصدَّق بِمَا مَعَهُ عَلَى الفُقَرَاء، وَردَّ المَظَالِمَ، وَأَعتقَ مماليكَه، وَجَعَلَ يَخْتِمُ القُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلاَثٍ، ثُمَّ مَاتَ يَوْم الجُمُعَة فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.

قَالَ: وَمَوْلِدُهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

قُلْتُ: إِن صَحَّ مولدُه، فَمَا عَاشَ إِلاَّ ثَمَانِياً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً وَأَشهراً، وَدُفن عِنْد سُور هَمَذَان.

وَقيل: نُقِلَ تَابوتُه إِلَى أَصْبَهَانَ.


(١) أي تقشر.
(٢) في " عيون الانباء ": " المثرود بطوس "، وفي " الوافي ": " المثروديطوس ".
(٣) انظر " وفيات الأعيان " ٢ / ١٥٩، ١٦٠، و" طبقات الاطباء " ٤٤٠ - ٤٤٢، و" الوافي بالوفيات " ١٢ / ٤٠٠، ٤٠١.
(٤) في " وفيات الأعيان " ٢ / ١٦٠.