للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهِ! رَجُلٌ مُجْمَعٌ عَلَى زُهْدِهِ وَهَذَا حَالُه! أَشتَهِي أَنْ أَرَاهُ.

فَجَاءَ إِلَى الحَربيَّةِ، فَرَآهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: سُبْحَانَ اللهِ! رَجُلٌ يُوْمَأُ إِلَيْهِ بِالزُّهْدِ، يُعَارِضُ اللهَ فِي أَفعَالِهِ، وَمَا هُنَا مُحَرَّمٌ وَلاَ مُنْكَرٌ.

فَشَهَقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَبَكَى (١) .

وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ الصَّبَّاغَ الفَقِيْهُ: حَضَرتُ عِنْدَ ابْنِ القَزْوِيْنِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ الرَّحَبِيِّ، فَقَالَ:

أَيُّهَا الشَّيْخُ! أَيَّ شَيْءٍ أَمَرَتْنِي نَفسِي أُخَالِفُهَا؟

قَالَ: إِنْ كُنْتَ مُرِيداً، فَنَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَارِفاً، فَلاَ.

فَانْصَرَفْتُ، وَأَنَا مُفَكِّرٌ، وَكَأَنَّنِي لَمْ أُصوِّبْهُ، فرَأَيْتُ لَيْلَتِي كَأَنَّ مَنْ يَقُوْلُ لِي وَقَدْ هَالَنِي أَمرٌ: هَذَا بِسَبَبِ ابْنِ القَزْوِيْنِيِّ (٢) .

وَحَدَّثَنِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ السَّمِيْعِ الهَاشِمِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الصَّحْرَاوِيِّ الزَّاهِدِ، قَالَ:

كُنْتُ أَقرأُ عَلَى القَزْوِيْنِيِّ، فَجَاءَ رَجُلٌ مُغَطَّى الوَجْهِ، فَوَثَبَ الشَّيْخُ إِلَيْهِ، وَصَافَحَه، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، فَسَأَلتُ صَاحِبِي: مَنْ هَذَا؟

قَالَ: تَعرِفُهُ؟ هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ القَادِرُ بِاللهِ.

وحَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَمِيْنُ، قَالَ: رَأَيْتُ المَلِكَ أَبَا كَالَيْجَارَ (٣) قَائِماً، يُشِيرُ إِلَيْهِ أَبُو الحَسَنِ بِالجُلُوسِ، فَلاَ يَفْعَلُ.

وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَّاحُ الوَكِيْلُ، قَالَ: رَأَيْتُ المَلِكَ أَبَا طَاهِرٍ بنَ بُوَيْه قَائِماً بَيْنَ يَدَي الشَّيْخِ أَبِي الحَسَنِ يُوْمِئُ بِالجُلُوسِ، فَيَأْبَى،

ثُمَّ سَرَدَ لَهُ ابْنُ المُجْلِي كَرَامَاتٍ، مِنْهَا: شُهُوْدُهُ عَرَفَةَ وَهُوَ بِبَغْدَادَ، وَمِنْهَا: ذَهَابُهُ إِلَى مَكَّةَ، فَطَافَ، وَرَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ.

أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّلِ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ،


(١) الخبر بأطول مما هنا في " طبقات " السبكي ٥ / ٢٦٢.
(٢) انظر " طبقات " السبكي ٥ / ٢٦٣.
(٣) سترد ترجمته برقم (٤٢٥) .