للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخِرَةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمِنْهُم شَقِيٌّ وَسَعِيْدٌ} [هود:١٠٣ - ١٠٥] .

ثُمَّ صَاح وَبَكَى، وَطرح وَجهه عَلَى الأَرْضِ زَمَاناً، ثُمَّ مَسحَ وَجْهَهُ، وَقَالَ: سُبْحَانَ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا فِي القِدَمِ! سُبْحَانَ مَنْ هَذَا كَلاَمُه! فَصبرتُ سَاعَةً، ثُمَّ سَلَّمْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَرَى فِي وَجْهِكَ أَثَرَ غِيظٍ؟

قَالَ: لاَ، بَلْ أَنشدتُ شَيْئاً مِنْ كَلاَم المَخْلُوْق، وَتَلَوْتُ شَيْئاً مِنْ كَلاَم الخَالِق، فَلَحِقَنِي مَا تَرَى.

فَتحققت صِحَّة دينه.

وَبِهِ: قَالَ السِّلَفِيّ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا التبرِيزِي يَقُوْلُ: أَفْضَلُ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ أَبُو العَلاَءِ (١) .

وَسَمِعْتُ أَبَا المَكَارِم (٢) بِأَبهر - وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الزَّمَان - يَقُوْلُ: لمَّا تُوُفِّيَ أَبُو العَلاَءِ اجْتَمَع عَلَى قَبْرِهِ ثَمَانُوْنَ شَاعِراً (٣) ، وَخُتِمَ فِي أُسْبُوْعٍ وَاحِدٍ مِئتَا ختمَة، إِلَى أَنْ قَالَ السِّلَفِيّ: وَفِي الجُمْلَةِ فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الفَضْل الوَافر، وَالأَدبِ البَاهرِ، وَالمَعْرِفَةِ بِالنَّسبِ وَأَيَّامِ العَرَبِ، قَرَأَ القُرْآنَ بِروَايَات، وَسَمِعَ الحَدِيْثَ عَلَى ثِقَات، وَلَهُ فِي التَّوحيد وَإِثْبَات النّبوَات، وَمَا يَحُضُّ عَلَى الزُّهْدِ، وَإِحيَاء طرق الفتوَّة وَالمُروءة شعرٌ كَثِيْرٌ، وَالمُشكل مِنْهُ، فَلَهُ عَلَى زَعْمِهِ تَفْسِيْر.

قَالَ غَرْسُ النِّعمَة: حَدَّثَنَا الوَزِيْرُ أَبُو نَصْرٍ بنُ جَهِير، حَدَّثَنَا المنَازِي الشَّاعِر (٤) قَالَ:

اجْتَمَعتُ بِأَبِي العَلاَءِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي يُرْوَى عَنْكَ؟ قَالَ:


(١) في ترجمته من " تاريخ الإسلام " المنشورة في " تعريف القدماء " ٢٠٠: أفضل من رأيته ممن قرأت عليه أبو العلاء.
(٢) هو عبد الوارث بن عبد المنعم الابهري، أحد الأدباء الفضلاء تلميذ لأبي العلاء المعري، وقرأ عليه الأدب، والابهري نسبة إلى أبهر، وهي موضعان: أحدهما بلدة بالقرب من زنجان والمذكور منسوب إليها، والثانية قرية من قرى أصبهان.
انظر " الأنساب " ١ / ١٢٦.
(٣) الخبر إلى هنا في " المنتظم " ٨ / ١٨٨.
(٤) هو أبو نصر أحمد بن يوسف الكاتب الوزير، المتوفى سنة (٤٣٧) هـ. وقد مرت ترجمته في الجزء السابع عشر برقم (٣٨٩) .