للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ الفَقِيْه غَانِم المُوْشِيلِي (١) :سَمِعْتُ الإِمَام أَبَا المعَالِي يَقُوْلُ: لَوِ اسْتَقبلتُ مِنْ أَمرِي مَا اسْتدبرتُ مَا اشْتَغَلتُ بِالكَلاَم.

قَالَ أَبُو المَعَالِي فِي كِتَابِ (الرِّسَالَة النّظَامِيَّة (٢)) :اخْتلفت مسَالكُ العُلَمَاء فِي الظَّوَاهر الَّتِي وَردت فِي الكِتَاب وَالسّنَّة، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الحَقِّ فَحوَاهَا (٣) ، فَرَأَى بَعْضُهم تَأْويلَهَا، وَالتَزَم ذَلِكَ فِي القُرْآن، وَمَا يَصح مِنَ السُّنَن وَذَهَبَ أَئِمَّة السَّلَف إِلَى الاَنكِفَاف، عَنِ التَّأْوِيْل وَإِجرَاءِ الظَّوَاهر عَلَى مَوَاردهَا، وَتَفويضِ معَانِيْهَا إِلَى الرَّب تَعَالَى، وَالَّذِي نَرْتَضِيْه رَأْياً، وَنَدينُ الله بِهِ عَقداً اتِّبَاعُ سلفِ الأُمَّة، فَالأُوْلَى الاَتِّبَاعُ (٤) ، وَالِدَّليلُ السَّمَعِيُّ القَاطعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجمَاع الأُمَّة حُجَّةٌ مُتَّبَعَة، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَم الشَّرِيعَة، وَقَدْ درج صَحْبُ الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ترك التَّعرض لِمَعَانِيْهَا وَدَرْكِ مَا فِيْهَا وَهم صِفْوَة الإِسْلاَم المُسْتقلُّوْنَ بِأَعبَاءِ الشَّرِيعَة، وَكَانُوا لاَ يَأْلُوْنَ جهداً فِي ضبط قوَاعدِ الملَّة وَالتَّوَاصِي بحِفْظِهَا، وَتعَلِيْمِ النَّاس مَا يَحتَاجُوْنَ إِلَيْهِ مِنْهَا، فَلَو كَانَ تَأْويلُ هَذِهِ الظوَاهر مسوَغاً أَومحتُوْماً؛ لأَوشك أَنْ يَكُوْنَ اهتمَامُهم بِهَا فَوْقَ اهتمَامِهم بفُروع الشّرِيعَة، فَإِذَا تَصرَّم عصرُهم وَعصرُ التَّابِعِيْنَ عَلَى الإِضرَاب عَنِ التَّأْوِيْل؛ كَانَ ذَلِكَ قَاطعاً بِأَنَّهُ الوَجْهُ المُتَّبع، فَحقَّ عَلَى ذِي الدِّيْن أَنْ يَعتقد تَنَزُّه البَارِي عَنْ صِفَات المُحْدَثِيْنَ، وَلاَ يَخوضَ فِي تَأْويل المشكلاَت، وَيَكِلَ معنَاهَا إِلَى


(١) " الموشيلي " وهو كتاب النصارى، وقال ابن الأثير، إن موشيلي هو من أسماء رجال النصارى ومعناه بالعربية موسى، ولعل بعض أجداده كان اسمه كذلك فنسب إليه. انظر اللباب ٣ / ٢٦٩.
(٢) وتسمى " العقيدة النظامية " أيضا، وقد طبعت بتصحيح الشيخ المحدث محمد زاهد الكوثري عام ١٣٦٧ هـ ١٩٤٨ م.
انظر ص ٢٣ وما بعدها.
(٣) في النظامية المطبوعة بتحقيق العلامة الكوثري ص، ٢٣، بعد هذه العبارة ما نصه: وإجراؤها على موجب ما تبرزه أفهام أرباب اللسان منها.
(٤) في المطبوعة ٢٣، فالاولى الاتباع وترك الابتداع.