للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: بَلْ مَدَارُه عَلَى الحَارِثِ بنِ عَمْرٍو، وَفِيْهِ جهَالَة، عَنْ رِجَال مِنْ أَهْلِ حِمْص، عَنْ مُعَاذ.

فَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ (١) .

قَالَ المَازرِيّ فِي شرح (البُرْهَان) فِي قَوْله: إِنَّ اللهَ يَعلَمُ الكُلِّيَّاتِ لاَ الجُزْئِيَّات: وَدِدْتُ لَوْ مَحَوْتُهَا بِدَمِي.

وَقِيْلَ: لَمْ يَقُلْ بِهَذِهِ المَسْأَلَة تَصرِيحاً، بَلْ أُلزم بِهَا لأَنَّه

قَالَ بِمسَأَلَة الاسْترسَال فِيمَا لَيْسَ بِمُتَنَاهٍ مِنْ نَعيمِ أَهْل الجَنَّة، فَاللهُ أَعْلَم (٢) .

قُلْتُ: هَذِهِ هَفْوَة اعتزَال، هُجِرَ أَبُو المَعَالِي عَلَيْهَا، وَحَلَفَ أَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ لاَ يُكَلِّمهُ، وَنُفِيَ بِسَبَبهَا، فَجَاور وَتعبَّد، وَتَاب - وَللهِ الحَمْدُ - مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُ فِي الآخَرِ رجَّحَ مَذْهَب السَّلَف فِي الصِّفَات وَأَقَرَّه (٣) .


(١) وممن مال إلى القول بصحته أبو بكر الرازي الجصاص، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، وابن قيم الجوزية، قالوا: إن الحارث بن عمرو ليس بمجهول العين، لان شعبة بن الحجاج يقول عنه: إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا بمجهول الوصف، لأنه من كبار التعابعين في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة ١١٦ هـ.
ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حكمه، ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في عدالته وقبول روايته أن لا يثبت فيه جرح مفسر عن أهل الشأن لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة، فمن لم يثبت فيه جرح مؤثر منهم، فهو مقبول الرواية، والشيوخ الذين روى عنهم هم من أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهولا، ويجوز أن يكون في الخبر إسقاط الأسماء عن جماعة، ولا يدخله ذلك في حيز الجهالة، وإنما يدخل في المجهولات إذا كان واحدا، فيقال: حدثني رجل أو إنسان، وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، وقد خرج الامام البخاري الذي شرط الصحة حديث عروة البارقي: سمعت الحي يتحدثون عن عروة، ولم يكن ذلك الحديث في جملة المجهولات.
وقال مالك في القسامة: أخبرني رجل من كبراء قومه، وفي الصحيح عن الزهري حدثني رجال عن أبي هريرة: " من صلى على جنازة فله قيراط ".
وانظر " الفقيه والمتفقه ": ١ / ١٨٨، ١٩٠، واعلام الموقعين ١ / ٢٠٢.
(٢) انظر المنتظم: ٩ / ١٩، ٢٠، وطبقات السبكي: ٥ / ٥٨٨، وقد عقد هذا الأخير فصلا خاصا لمسألة الاسترسال بعنوان شرح حال مسألة الاسترسال التي وقعت في كتاب البرهان: ص ١٩٢،
٢٠٧.
(٣) سيذكر المصنف قريبا عن النظامية النص الذي صرح فيه برجوعه إلى مذهب السلف في الصفات.