للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَفَاضِلِ الدَّهْر، لَهُ الفَضَائِلُ الرَّائِقَة، وَالفُصولُ الفَائِقَة، وَالتَّصَانِيْفُ المُعجزَة، وَالتَّوَالِيفُ المُعجِبَة، وَالنَّظْمُ الَّذِي نَسخَ أَشعَارَ المُحْدَثِيْنَ، وَنسجَ فِيْهِ عَلَى مِنوَال المعرِي، وَمَنْ فَوْقَه مِنَ المفلقين (١) ، رَأَيْتُهُ شَابّاً قَامَ فِي درسِ إِمَام الحَرَمَيْنِ مرَاراً، وَأَنشَأَ فِيْهِ قصَائِد كباراً، يَلْفِظُهَا كَمَا يَشَاء زَبَداً مِنْ بَحر خَاطِره كَمَا نشَاء، مُيَسَّرٌ لهُ الإِنشَاء، طَوِيْلُ النَفْس، كَثِيْرُ الحِفْظِ، يَلتَفِتُ فِي أَثْنَاء كلاَمه إِلَى الفِقَرِ وَالوقَائِع، وَالاستنباطَات الغرِيبَة، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَأَقَامَ مُدَّةً يَجْذِبُ فَضلَه بِضَبْعِهِ، وَيَشتهر بَيْنَ الأَفَاضِل كَمَالُ فَضله، وَمتَانَةُ طبعه، حَتَّى ظهر أَمرُه، وَعلاَ قدرُه، وَحصل لَهُ مِنَ السُّلْطَان مَكَانَةٌ وَنعمَة، ثُمَّ كَانَ يَرْشُحُ مِنْ كلاَمه نوعُ تَشبُّثٍ بِالخِلاَفَةِ، وَدعوَةٌ إِلَى اتِّبَاع فَضلِه، وَادَّعَاء اسْتحقَاقِ الإِمَامَة، تبيضُ وَسَاوسُ الشَّيْطَانِ فِي رَأْسِهِ وَتُفَرِّخُ، وَتَرفَعُ الكِبْرَ بِأَنفِهِ وَتَشْمَخُ، فَاضطره الحَالُ إِلَى مُفَارَقَةِ بَغْدَادَ، وَرَجَعَ إِلَى هَمَذَانَ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ وَيُفِيدُ، وَيُصَنِّفُ مُدَّة.

وَمِنْ شِعْرِهِ:

وَهيفَاءَ لاَ أُصْغِي إِلَى مَنْ يَلُوْمُنِي ... عَلَيْهَا وَيُغْرِينِي بِهَا أَنْ يَعِيبَهَا (٢)

أَمِيْلُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيَّ إِذَا بَدَتْ ... إِلَيْهَا وَبَالأُخْرَى أُرَاعِي رَقِيْبَهَا

وَقَدْ غَفَلَ الوَاشِي فَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَخَذْتُ لِعَيْنِي مِنْ سُلَيْمَى نَصِيْبَهَا (٣)

وَلَهُ:

أَكَوْكَبٌ مَا أَرَى يَا سَعْدُ أُمْ نَارُ ... تَشُبُّهَا سَهْلَةُ الخَدَّيْنِ مِعْطَارُ

بَيْضَاءُ إِنْ نَطَقَتْ فِي الحيِّ أَوْ نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْسَ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارُ


(١) أي: من المجيدين، من أفلق في الامر إذا كان حاذقا به.
(٢) في " وفيات الأعيان ": أعيبها.
(٣) ديوانه: ٢ / ١٩٣، ووفيات الأعيان: ٤ / ٤٤٦، وعيون التواريخ: ١٣ / ١٤٦ / ١.