للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَغْرِفُ مِنْ بَحرٍ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا دَخَلتُ بَلَداً يُرْوَى فِيْهِ الحَدِيْث إِلاَّ بدَأَتُ بِسمَاعِ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْل التَّصدِّي لِشُؤونِي، وَحَفِظتُ كِتَاب (البلغَة) فِي اللُّغَة وَأَنَا صَبِيّ، وَمَا مَقَلْتُ (١) لغوياً قَطُّ، وَأَمَّا النَّحْو، فَعبدُ القَاهِر (٢) ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ.

وَحَكَى لِي الشَّرِيْفُ أَبُو البَقَاءِ خطيبُ جَامِعِ السُّلْطَان قَالَ: كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ يُطَالع الرّقعَةَ الطَّوِيْلَة مرَّةً وَاحِدَة، وَيُعيدهَا حِفْظاً.

قَالَ: وَمِمَّنْ كَانَ يُبَالِغُ فِي مَدحه أَبُو نَصْرٍ بنُ أَبِي حَفْصٍ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَثعل الأَصْبَهَانِيَّانِ كَاتِبَا الْعَصْر، وَبَلَغَنِي وَأَنَا بِسَلْمَاسَ أَنَّهُ فُوِّض إِلَيْهِ إِشْرَاف المَمَالِك، وَأُحضِرَ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه لِلشخصيَة (٣) وَهُوَ عَلَى سرِيرِ المُلكِ، فَارْتَعَدَ مِنْهُ وَوَقَعَ، وَرُفِعَ ميتاً (٤) .

قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعَ الأَبِيوَرْدِي مِنْ: إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَعبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ الشيرَازِي بِالرَّيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:

وَكَانَ مِنْ أَفرَادِ الوَقْتِ الَّذِيْنَ ملكُوا القُلوبَ بِفَضلِهِم، وَعَمَرُوا الصُّدُوْر بودِّهم مُتعصِّباً لِلسُّنَّة وَأَهْلِهَا، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، أَلَّف (تَارِيخَ أَبِيْوَرْدَ وَنَسَا)


(١) في " اللسان " عن اللحياني: ما مقلت عيني مثله مقلا، أي: ما أبصرت ولا نظرت.
(٢) هو الجرجاني صاحب " دلائل الاعجاز "، و" أسرار البلاغة "، و" شرح الايضاح " لأبي علي الفارسي.
(٣) في طبقات السبكي: ٦ / ٨٣: لتشخيصه، وفي " اللسان ": وشخص به: أتى إليه أمر يقلقه، فيقال للرجل إذا أتاه ما يقلقه: قد شخص به كأنه رفع من الأرض لقلقه وانزعاجه، ومنه: شخوص المسافر: خروجه عن منزله.
(٤) في " معجم الأدباء ": ١٧ / ٢٣٨ نقلا عن العماد الأصبهاني في خريدة القصر: أنه تولى في آخر عمره أشراف مملكة السلطان محمد بن ملكشاه، فسقوه السم وهو واقف عند سرير السلطان، فخانته رجلاه، فسقط وحمل إلى منزله ...