للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَصُدُوْرُ الأَحرَارِ قُبُوْرُ الأَسرَارِ، وَمَنْ أَفشَى سِرَّ الرُّبوبيَة، كفر، وَرَأَى قَتْلَ مِثْلِ الحَلاَّج خَيراً مِنْ إِحيَاء عَشْرَة لإِطلاَقه أَلْفَاظاً، وَنَقَلَ عَنْ بعضهِم قَالَ: لِلرُّبوبيَّة سِرٌّ لَوْ ظهر، لَبَطَلت النُّبُوَّة، وَللنُبُوَّة سِرٌّ لَوْ كُشِفَ، لبَطل العِلْمُ، وَلِلْعلمِ سِرٌّ لَوْ كشف، لَبَطَلت الأَحكَامُ.

قُلْتُ: سِرُّ العِلْم قَدْ كشف لصُوْفَة أَشقيَاء، فَحلُّوا النّظَام، وَبطل لديهِم الحَلاَلُ وَالحَرَامُ.

قَالَ ابْنُ حَمْدِينَ: ثُمَّ قَالَ الغزَالِي: وَالقَائِلُ بِهَذَا، إِنْ لَمْ يُرِدْ إِبطَال النُّبُوَّة فِي حقِّ الضُّعَفَاء، فَمَا قَالَ لَيْسَ بِحقٍّ، فَإِنَّ الصَّحِيح لاَ يَتنَاقضُ، وَإِنَّ الكَامِل مَنْ لاَ يُطفئ نُوْرُ مَعْرِفَته نُورَ وَرعه.

وَقَالَ الغزَّالِي فِي العَارِف: فَتتجلَى لَهُ أَنوَارُ الحَقِّ، وَتنكشِفُ لَهُ العُلُوْم المرموزَةُ المحجوبَةُ عَنِ الْخلق، فَيعرِفُ مَعْنَى النُّبُوَّة، وَجَمِيْعَ مَا وَردت بِهِ أَلْفَاظُ الشرِيعَة الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا عَلَى ظَاهِرٍ، لاَ عَلَى حقيقَة.

وَقَالَ عَنْ بعضهِم: إِذَا رَأَيْتَهُ فِي البِدَايَة، قُلْتَ: صديقاً، وَإِذَا رَأَيْتهُ فِي النِّهَايَة، قُلْتَ: زِنْدِيقاً، ثُمَّ فَسَّره الغزَّالِي، فَقَالَ: إِذِ اسمُ الزِّنْدِيق لاَ يُلصق إِلاَّ بِمعطِّل الفَرَائِضِ لاَ بِمعطِّلِ النَّوَافل.

وَقَالَ: وَذَهَبت الصُّوْفِيَّةُ إِلَى العُلُوْمِ الإِلهَامِيَة دُوْنَ التَّعليمِيَة، فَيجلس فَارغَ القَلْب، مجموعَ الهَمِّ يَقُوْلُ: اللهُ اللهُ اللهُ (١) عَلَى الدَّوَام، فَلْيُفَرِّغ قَلْبَهُ، وَلاَ يَشتغِلْ بِتِلاَوَة وَلاَ كتب حَدِيْث.

قَالَ: فَإِذَا بلغَ هَذَا الحدّ، الْتزم الخلوَةَ فِي بَيْت مُظْلِمٍ وَتَدَثَّرَ


(١) الذكر بالاسم المفرد لم يرد في السنة، لان الذكر ثناء على الله، والثناء لا يكون إلا بجملة تامة، وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب الاتباع في هذا وأمثاله، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: " أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ".
انظر " الموطأ ": ١ / ٤٢٢ - ٤٢٣، والترمذي (٣٥٧٩) .