للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(المُرْشِدَة) ، فِيْهَا تَوحيد وَخير بِانحرَاف (١) ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَتْبَاعَه، وَسمَّاهُم الْمُوَحِّدين، وَنَبَزَ مَنْ خَالف (المُرْشِدَةَ) بِالتَّجسيم، وَأَبَاحَ دَمَهُ - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الغَيِّ وَالهَوَى -.

وَكَانَ خَشِنَ العيشِ، فَقيراً، قَانِعاً بِاليسير، مُقتصراً عَلَى زِيِّ (٢) الفَقْرِ، لاَ لَذَّةَ لَهُ فِي مَأْكَلٍ وَلاَ مَنْكِح، وَلاَ مَال، وَلاَ فِي شَيْءٍ غَيْر رِيَاسَة الأَمْر، حَتَّى لَقِي الله تَعَالَى.

لكنَّه دَخَلَ - وَاللهِ - فِي الدِّمَاء (٣) لِنَيلِ الرِّيَاسَة المُرديَة.

وَكَانَ ذَا عصاً وَرِكوَة وَدفَّاس، غَرَامُهُ فِي إِزَالَة المُنْكَر، وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ، وَكَانَ يَتبسَّمُ إِلَى مَنْ لَقِيه.

وَلَهُ فَصَاحَةٌ فِي العَرَبِيَّة وَالبَرْبَرِيَة، وَكَانَ يُؤذَى وَيُضْرَبُ وَيَصْبِرُ،


(١) قال ابن خلدون: وكان ابن تومرت قد لقي بالمشرق أئمة الأشعرية من أهل السنة، وأخذ عنهم، واستحسن طريقهم في الانتصار للعقائد السلفية، والذب عنها بالحجج
العقلية الدامغة في صدر أهل البدعة، وذهب في رأيهم إلى تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن اتباعهم في التأويل، والاخذ برأيهم فيه الاقتداء بالسلف في ترك التأويل، وإقرار المتشابهات كما جاءت، فبصر المهدي أهل المغرب في ذلك، وحملهم على القول بالتأويل، والاخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد، وأعلن بإمامتهم، ووجوب تقليدهم، وألف العقائد على رأيهم مثل " المرشدة " في التوحيد، وذكر شيخ الإسلام في " درء تعارض العقل والنقل ": ٣ / ٤٣٨: أن ابن تومرت لم يذكر في مرشدته شيئا من إثبيات الصفات، ولا إثبات الرؤية، ولا قال: إن كلام الله غير مخلوق ونحو ذلك من المسائل التي جرت عادة مثبتة الصفات بذكرها، وقال: إنه رأى له كتابا في التوحيد صرح فيه بنفي الصفات، ثم أورد له بحثا من كتابه " الدليل والعلم " وعلق عليه، فانظره فيه.
(٢) في الأصل: زيق وهو خطأ.
(٣) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ".
أخرجه البخاري في صحيحه: (٦٨٦٢) في أول الديات من حديث ابن عمر، وقال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله.