للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمَّا تَغَلَّبَت الرُّوْم عَلَى المَرِيَّة سَنَة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، خَرَجَ إِلَى مُرْسِيَة، ثُمَّ سَكَنَ جَزِيْرَة شُقْر (١) ، فَولِي القَضَاء وَالخطَابَة بِهَا.

وَكَانَ فِي خُلُقِه ضيق، وَكَانَ مِنْ فُرْسَان الحَدِيْث بِالأَنْدَلُسِ، بارعاً فِي لغَته، لَمْ يَكُنْ أَحَد يُجَارِيه فِي مَعْرِفَةِ الرِّجَال، وَلَهُ خطب حِسَان، وَتَصَانِيف (٢) ، وَسعَة علم كَثِيْر جِدّاً.

تُوُفِّيَ: فِي صَفَرٍ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ بنُ الزُّبَيْرِ: هُوَ أَعْلَم أَهْل طَبَقَته بصنَاعَة الحَدِيْث، وَأَبرعهُم فِي ذَلِكَ، مَعَ مشَاركته فِي علُوْم، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلين، أَمعن النَّاس فِي الأَخْذ عَنْهُ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عيَاد (٣) : كَانَ عَالِماً بِالقُرْآنِ، إِمَاماً فِي علم الحَدِيْث، وَاقفاً عَلَى رِجَاله، لَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مَنْ يُجَارِيه فِيْهِ، أَقرّ لَهُ بِذَلِكَ أَهْل عصره، مَعَ تَقَدُّمِهِ فِي اللُّغَة وَالأَدب، وَاستقلاَله بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيْع الفُنُوْن.

قَالَ: وَكَانَ لَهُ حظّ مِنَ البلاغَة وَالبيَان، صَارِماً فِي أَحكَامه، جزلاً فِي أَموره، تَصَدَّرَ لِلإِقْرَاءِ وَالتسمِيْع وَالعَرَبِيَّة، وَكَانَتِ الرّحلَة إِلَيْهِ فِي زَمَانِهِ، وَطَالَ عُمُرُهُ، وَلَهُ كِتَاب (المَغَازِي) فِي خَمْس مُجَلَّدَاتٍ، حمله عَنْهُ النَّاس.


(١) هكذا هي في أصل النسخة، نعني بضم الشين المعجمة، وفي معجم البلدان لياقوت ومراصد البغدادي: (شقر) بفتح الشين، ولعله الاصوب.
(٢) ذكرها ابن الابار في (التكملة) : ٣ / الورقة ١٢ وقال: (ولم يؤلف في الحديث على كثرة مطالعته وتقييده غير مجموع في الألقاب صغير كتبته عن ابن سالم عنه) .
(٣) نقل الذهبي كلام ابن عياد هذا من (تكملة) ابن الابار: الورقة ١٢ وتصرف به على عادته.