للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَدْرِي؟

فَسَفرتْ عَنْ وَجْهٍ أَضَاءتْ مِنْهُ الغُرفَةُ، فَقُلْتُ: لاَ، اسْتَترِي.

فَقَالَتْ: مَاتَ أَبِي، وَاسْتَوْلَى عَلَى المَدِيْنَةِ بُكْتَمر، ثُمَّ أَخَذَ الحَاجِب قرِيتِي، وَبقيت أَعيش مِنْ عَمل النّقش وَفِي دَار بِالكرَاء.

فَبكيت لَهَا، وَأَمرت لَهَا بِدَار وَقمَاش، فَقَالَتِ العَجُوْز: يَا خوند، أَلاَ تَحْظَى اللَّيْلَة بِك؟

فَوَقَعَ فِي قَلْبِي تغَيُّر الزَّمَان وَأَنَّ خِلاَط يَملكهَا غَيْرِي، وَتَحْتَاج بِنْتِي أَنْ تَقعد هَذِهِ القعدَة، فَقُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ، مَا هَذَا مِنْ شيمتِي.

فَقَامَتِ الشَّابة بَاكيَة تَقُوْلُ: صَان الله عواقبك.

وَحَدَّثَنِي: أَن غُلاَماً لَهُ مَاتَ فَخلّف ابْناً كَانَ مليح زَمَانه، وَكُنْت أُتَّهم بِهِ، وَهُوَ أَعزّ مِنْ وَلد، وَبلغ عِشْرِيْنَ سَنَةً، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ ضَرَبَ غُلاَماً لَهُ فَمَاتَ، فَاسْتغَاث أَوليَاؤُه، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِم ممَاليكِي، حَتَّى بذلُوا لَهُم مائَة أَلْف، فَأَبوا إِلاَّ قَتله، فَقُلْتُ: سلّمُوْهُ إِلَيْهِم.

فَسلمُوْهُ، فَقتلُوْهُ.

وَقضيته مَشْهُوْرَة بِحَرَّانَ؛ أَتَاهُ أَصْحَاب الشَّيْخ حَيَاة (١) ، وَبدّدُوا الْمُسكر مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَسَكَتَ، وَكَانَ يَقُوْلُ: بِهَا نصرت.

وَقَدْ خلع عليّ مرَّة، وَأَعْطَانِي بَغْلَة وَعَشْرَة آلاَف دِرْهَم.

وَحَدَّثَنِي الفَقِيْه مُحَمَّد اليُوْنِيْنِيّ (٢) ، قَالَ: حَكَى لِي فَقير صَالِح، قَالَ: لَمَّا مَاتَ الأَشْرَف، رَأَيْتهُ فِي ثِيَاب خُضر، وَهُوَ يَطير مَعَ الأَوْلِيَاء.

وَلَهُ شعر - فِيْمَا قِيْلَ -.

قَالَ: وَكُنْت أَغشَاه فِي مَرَضِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: اسْتَعدَّ لِلقَاء الله فَمَا يَضر، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ بَلْ يَنفع، فَفَرَّق البِلاَد، وَأَعتق ممَاليكه نَحْو مائَتَيْنِ، وَوَقَفَ دَار السعَادَة وَالدَّهشَة عَلَى بِنْته.


(١) الحراني الصوفي المشهور.
(٢) هذا كلام السبط، وقد تصحف " اليونيني في " المرآة " إلى: " البرناني " وقد حدثه بهذه الحكاية ببعلبك سنة ٦٤٥.