للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمَّا تَوَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ، حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَهُ جَمِيْعَ مَالِهِ - خَمْسَةَ آلاَفٍ، أَوْ سِتَّةَ آلاَفٍ - فَأَتَانِي جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ عَمِيَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ.

فَقُلْتُ: كَلاَّ، قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيْراً.

فَعَمَدْتُ إِلَى أَحْجَارٍ، فَجَعَلْتُهُنَّ فِي كُوَّةِ البَيْتِ، وَغَطَّيْتُ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، وَوَضَعْتُهَا عَلَى الثَّوْبِ، فَقُلْتُ: هَذَا تَرَكَهُ لَنَا.

فَقَالَ: أَمَا إِذْ تَرَكَ لَكُم هَذَا، فَنَعَمْ (١) .

ابْنُ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ:

أَتَى أَبُو جَهْلٍ فِي نَفَرٍ، فَخَرَجتُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوْكِ؟

قُلْتُ: لاَ أَدْرِي -وَاللهِ- أَيْنَ هُوَ؟

فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ، وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً خَرَّ مِنْهَا قُرْطِي، ثُمَّ انْصرفُوا.

فَمَضَتْ ثَلاَثٌ، لاَ نَدْرِي أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ يَسْمَعُوْنَ صَوْتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ، يَقُوْلُ:

جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيْقَيْنِ قَالاَ خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعَبْدِ (٢)

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ، فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَتَقُوْلُ: بِذَنْبِي، وَمَا يَغْفِرُهُ اللهُ أَكْثَرُ (٣) .

وَرَوَى: عُرْوَةُ، عَنْهَا، قَالَتْ:

تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ شَيْءٌ غَيْرُ فَرَسِهِ؛ فَكُنْتُ أَسُوْسُهُ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَدُقُّ لِنَاضِحِهِ النَّوَى (٤) ، وَأَسْتَقِي، وَأَعْجِنُ، وَكُنْتُ


(١) إسناده صحيح، وأخرجه ابن هشام في " السيره " ١ / ٤٨٨ عن ابن إسحاق.
(٢) ابن هشام ١ / ٤٨٧.
وقوله: قالا خيمتي أم معبد، أي نزلا فيها عند القائلة، وأم معبد: هي عاتكة بنت خالد، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته على خيمتها هو وأبو بكر ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة.
(٣) ابن سعد ٨ / ٢٥١.
(٤) الناضح: البعير يستقى عليها، والنوى: عجم التمر كانوا يدقونه ويعلفونه دوابهم.