للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَسْأَلاَنِهِ، فَأَعْطَى كُلاًّ مِنْهُمَا مائَةَ أَلْفٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً، فَقَالَ لَهُمَا: أَلاَ تَسْتَحِيَانِ؟ رَجُلٌ نَطْعَنُ فِي عَيْبِهِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً تَسْأَلاَنِهِ المَالَ؟!

قَالاَ: لأَنَّكَ حَرَمْتَنَا، وَجَادَ هُوَ لَنَا (١) .

أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ:

قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاعَجَباً لِلْحَسَنِ! شَرِبَ شُرْبَةً مِنْ عَسَلٍ بِمَاءِ رُوْمَةَ، فَقَضَى نَحْبَهُ.

ثُمَّ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ يَسُوْؤُكَ اللهُ وَلاَ يُحْزِنُكَ فِي الحَسَنِ.

قَالَ: أَمَّا مَا أَبْقَى اللهُ لِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، فَلَنْ يَسُوْءنِي اللهُ، وَلَنْ يُحْزِنَنِي.

قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَلْفَ أَلْفٍ مِنْ بَيْنِ عَرُوْضٍ وَعَيْنٍ.

قَالَ: اقْسِمْهُ فِي أَهْلِكَ (٢) .

رَوَى العُتْبِيُّ، قَالَ:

قِيْلَ لِمُعَاوِيَةَ: أَسْرَعَ إِلَيْكَ الشَّيْبُ؟

قَالَ: كَيْفَ لاَ؛ وَلاَ أَعْدَمُ رَجُلاً مِنَ العَرَبِ قَائِماً عَلَى رَأْسِي يُلْقِحُ لِي كَلاَماً يُلْزِمُنِي جَوَابَهُ، فَإِنْ أَصَبْتُ لَمْ أُحْمَدْ، وَإِنْ أَخْطَأْتُ سَارَتْ بِهِ البُرُدُ (٣) .

قَالَ مَالِكٌ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: لَقَدْ نَتَفْتُ الشَّيْبَ مُدَّةً.

قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى مُصَلاَّهُ، وَرِدَاؤُهُ يُحْمَلُ مِنَ الكِبَرِ.

وَدَخَلَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ؟

قَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ لِي.

مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ (٤) : عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:

لَمَّا أَصَابَ مُعَاوِيَةَ اللَّقْوَةُ (٥) بَكَى، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: مَا يُبْكِيْكَ؟

قَالَ: رَاجَعْتُ مَا كُنْتُ عَنْهُ عَزُوْفاً، كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَكَثُرَ دَمْعِي،


(١) ابن عساكر ١٦ / ٣٧٠ / ب.
(٢) ابن عساكر ١٦ / ٣٧١ / ب، وقوله: بماء رومة.
أي بماء بئر رومة وكان ماؤها عذبا وهي في عقيق المدينة.
كانت لرجل من غفار يقال له رومة، ابتاعها منه عثمان رضي الله عنه وتصدق بها.
انظر " فتح الباري " ٥ / ٢٢، و٣٠٥
(٣) ابن عساكر ١٦ / ٣٧٥ ب.
(٤) تحرف في المطبوع إلى " مزيد ".
(٥) اللقوة: داء يعرض للوجه يعوج منه الشدق.