يَدَيْ خَالِدٍ بِالكُوْفَةِ، وَمَعَهُ الوُجُوْهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.
فَوَقَفَ، وَكَانَ كَرِيْماً، فَقَالَ: مَا لَكَ؟
قَالَ: تَأمُرُ بِضَربِ عُنُقِي؟
قَالَ: لِمَ؟ قَطَعتَ طَرِيْقاً؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَنَزَعتَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ؟
قَالَ: لاَ.
قَالَ: فَعَلاَمَ أَضرِبُ عُنُقَكَ؟
قَالَ: الفَقْرُ وَالحَاجَةُ.
قَالَ: تَمَنَّ؟
قَالَ: ثَلاَثِيْنَ أَلفاً.
فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِه، فَقَالَ: هَلْ عَلِمتُم تَاجِراً رَبِحَ الغَدَاةَ مَا رَبِحْتُ؟ نَوَيْتُ لَهُ مائَةَ أَلفٍ، فَتَمَنَّى ثَلاَثِيْنَ أَلفاً.
ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِهَا.
وَقِيْلَ: كَانَ خَالِدٌ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَدْعُو بِالبِدَرِ، وَيَقُوْلُ: إِنَّمَا هَذِهِ الأَمْوَالُ وَدَائِعُ لاَ بُدَّ مِنْ تَفرِيقِهَا.
وَقِيْلَ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ:
أَخَالِدُ بَيْنَ الحَمْدِ وَالأَجْرِ حَاجَتِي ... فَأَيُّهُمَا يَأْتِي فَأَنْتَ عِمَادُ
أَخَالِدُ إِنِّي لَمْ أَزُرْكَ لِحَاجَةٍ ... سِوَى أَنَّنِي عَافٍ وَأَنْتَ جَوَادُ
فَقَالَ: سَلْ.
قَالَ: مائَةَ أَلفٍ.
قَالَ: أَسرَفْتَ يَا أَعْرَابِيُّ.
قَالَ: فَأَحُطُّ لِلأَمِيْرِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَدْ حَطَطتُكَ تِسْعِيْنَ أَلفاً.
فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، فَقَالَ: سَأَلتُكَ عَلَى قَدْرِكَ، وَحَطَطْتُكَ عَلَى قَدْرِي، وَمَا أَسْتَأهِلُه فِي نَفْسِي.
قَالَ: لاَ وَاللهِ، لاَ تَغْلِبُنِي، يَا غُلاَمُ، أَعْطِه مائَةَ أَلفٍ.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: أَنْشَدَهُ أَعْرَابِيٌّ فِي مَجْلِسِ الشُّعَرَاءِ:
تَعَرَّضْتَ لِي بِالجُوْدِ حَتَّى نَعَشْتَنِي ... وَأَعْطَيْتَنِي حَتَّى ظَنَنْتُكَ تَلْعَبُ
فَأَنْتَ النَّدَى وَابْنُ النَّدَى وَأَخُو النَّدَى ... حَلِيْفُ النَّدَى مَا لِلنَّدَى عَنْكَ مَذْهَبُ
فَأَعْطَاهُ مائَةَ أَلفٍ.
الأَصْمَعِيُّ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ حَبِيْبٍ، نَحْوَهَا، وَزَادَ: فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ آخَرُ، فَقَالَ:
قَدْ كَانَ آدَمُ قَبْلُ حِيْنَ وَفَاتِهِ ... أَوْصَاكَ وَهُوَ يَجُوْدُ بِالحَوْبَاءِ