للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: (مَنْ غَزَا يَنْوِي عِقَالاً، فَلَهُ مَا نَوَى (١)) .

وَترَى هَذَا الضَّربَ لَمْ يَسْتَضِيْؤُوا بِنُوْرِ العِلْمِ، وَلاَ لَهُم وَقْعٌ فِي النُّفُوْسِ، وَلاَ لِعِلْمِهِم كَبِيْرُ نَتِيجَةٍ مِنَ العَمَلِ، وَإِنَّمَا العَالِمُ مَنْ يَخشَى اللهَ -تَعَالَى-.

وَقَوْمٌ نَالُوا العِلْمَ، وَوُلُّوا بِهِ المَنَاصِبَ، فَظَلَمُوا، وَتَرَكُوا التَّقَيُّدَ بِالعِلْمِ، وَرَكِبُوا الكَبَائِرَ وَالفَوَاحِشَ، فَتَبّاً لَهُم، فَمَا هَؤُلاَءِ بِعُلَمَاءَ!

وَبَعْضُهُم لَمْ يَتَقِّ اللهَ فِي عِلْمِهِ، بَلْ رَكِبَ الحِيَلَ، وَأَفْتَى بِالرُّخَصِ، وَرَوَى الشَّاذَّ مِنَ الأَخْبَارِ.

وَبَعْضُهُم اجْتَرَأَ عَلَى اللهِ، وَوَضَعَ الأَحَادِيْثَ، فَهَتَكَهُ اللهُ، وَذَهَبَ عِلْمُهُ، وَصَارَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ.

وَهَؤُلاَءِ الأَقسَامُ كُلُّهُم رَوَوْا مِنَ العِلْمِ شَيْئاً كَبِيْراً، وَتَضَلَّعُوا مِنْهُ فِي الجُمْلَةِ، فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِم خَلْفٌ باَنَ نَقْصُهُم فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.

وَتَلاَهُم قَوْمٌ انْتَمَوْا إِلَى العِلْمِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُتْقِنُوا مِنْهُ سِوَى نَزْرٍ يَسِيْرٍ، أَوْهَمُوا بِهِ أَنَّهُم عُلَمَاءُ فُضَلاَءُ، وَلَمْ يَدُرْ فِي أَذهَانِهِم قَطُّ أَنَّهُم يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللهِ؛ لأَنَّهُم مَا رَأَوْا شَيْخاً يُقْتَدَى بِهِ فِي العِلْمِ، فَصَارُوا هَمَجاً رَعَاعاً، غَايَةُ المُدَرِّسِ مِنْهُم أَنْ يُحَصِّلَ كُتُباً مُثَمَّنَةً، يَخْزُنُهَا، وَيَنْظُرُ فِيْهَا يَوْماً مَا، فَيُصَحِّفُ مَا يُوْرِدُهُ، وَلاَ يُقَرِّرُهُ.

فَنَسْأَلُ اللهَ النَّجَاةَ وَالعَفْوَ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُم: مَا أَنَا عَالِمٌ، وَلاَ رَأَيتُ عَالِماً.

وَقَدْ كَانَ هِشَامُ بنُ أَبِي عَبْدِ اللهِ مِنَ الأَئِمَّةِ، لَوْلاَ مَا شَابَ عِلْمَهُ بِالقَدَرِ.

قَالَ الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ البَرْقِيِّ (٢) : قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: أَرَأَيتَ مَنْ يُرْمَى


(١) أخرجه أحمد: ٥ / ٣١٥، والدارمي: ٢ / ٢٠٨، والنسائي: ٦ / ٢٤، من حديث عبادة ابن الصامت، مرفوعا، بلفظ: " من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلا عقالا، فله ما نوى ". وفي سنده يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقني رجاله ثقات.
(٢) البرقي، بفتح الباء، وسكون الراء: نسبة إلى برقة، وهو الحافظ العالم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد الزهري، مولاهم البصري، صاحب كتاب " الضعفاء "،
وعرف بالبرقي: لأنه كان يتجر إلى برقة. مات سنة (٢٤٩ هـ) . التذكرة: ٥٦٩.