للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَرْمَكِيّاً، وَصَلَبَ الرَّشِيْدُ أَنَسَ بنَ أَبِي شَيْخٍ عَلَى الزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ مُخْتَصّاً بِالبَرَامِكَةِ (١) .

عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ قَالَ: خَلاَ جَعْفَرٌ يَوْماً بِنُدَمَائِهِ وَأَنَا فِيْهِم، وَتضَمَّخَ بِالطِّيبِ، فَجَاءهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَالِحٍ، فَدَخَلَ، فَاربَدَّ وَجْهُ جَعْفَرٍ، فَدَعَا عَبْدُ المَلِكِ غُلاَمَهُ، فَنَزَعَ سوَادَهُ، وَقَلنسُوتَهُ، وَأَتَى مَجْلِسَنَا، فَأَلبسُوهُ حَرِيْراً، وَأَطعمَ وَشَربَ.

فَقَالَ: وَاللهِ مَا شَرِبتُهُ قَبْلَ اليَوْمِ، فَأَخفِ علِيَّ، وَنَادَمَ أَحْسَنَ مُنَادِمَةٍ، وَسُرِّيَ عَنْ جَعْفَرٍ، وَقَالَ: اذكُرْ حَوَائِجَكَ، فَإِنِّي لاَ أَسْتَطِيْعُ مُقَابَلَةَ مَا كَانَ مِنْكَ.

قَالَ: فِي قَلْبِ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلَيَّ مَوْجِدَةٌ، فَتُخْرِجُهَا.

قَالَ: قَدْ رَضِيَ عَنْكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ.

قَالَ: وَعَلَيَّ أَرْبَعَةُ آلاَفِ أَلفٍ.

قَالَ: قُضِيَ دَينُكَ.

قَالَ: وَابْنِي إِبْرَاهِيْمُ، أُحِبُّ أَنْ أُزَوِّجَهُ.

قَالَ: قَدْ زَوَّجَهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ بِالعَالِيَةِ بِنْتِهِ.

قَالَ: وَأُوثرُ أَنْ يُولَّى بَلَداً.

قَالَ: قَدْ وَلاَّهُ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ مِصْرَ، فَخَرَجَ وَنَحْنُ مُتَعَجِّبُوْنَ مِنْ إِقدَامِ جَعْفَرٍ عَلَى هَذِهِ الأُمُوْرِ العَظِيْمَةِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِئِذَانٍ، وَرَكِبَ إِلَى الرَّشِيْدِ، فَأَمْضَى لَهُ الجَمِيْعَ (٢) .

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: بَلَغَ مِنْ أَمْرِ جَعْفَرٍ أَنَّ الرَّشِيْدَ اتَّخَذَ لَهُ ثَوْباً لَهُ زِيقَانَ يَلبَسُهُ هُوَ وَهُوَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَنْهُ صَبْرٌ، وَكَانَتْ عَبَّاسَةُ أُخْتُ الرَّشِيْدِ أَعزَّ امْرَأَةٍ عَلَيْهِ، فَكَانَ مَتَى غَابَت أَوْ غَابَ جَعْفَرٌ تَنغَّصَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: سَأُزَوِّجُكَهَا لِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، فَاحْذَرْ أَنْ تَخْلُوَ بِهَا، فَزَوَّجَهُ.

فَقِيْلَ: إِنَّهَا أَحَبَّتْهُ، وَرَاوَدَتْهُ، فَأَبَى، وَأَعْيَتْهَا الحِيْلَةُ، فَبَعَثَتْ إِلَى وَالِدَةِ جَعْفَرٍ: أَنِ ابْعثِينِي إِلَى ابْنِكِ كَأَنَّنِي جَارِيَةٌ لَكِ، تُتْحِفِيْنَهُ بِهَا، فَأَبَتْ.

فَقَالَتْ: لَئِنْ


(١) " تاريخ الطبري " ٧ / ٢٩٥، ٢٩٦.
(٢) " وفيات الأعيان " ١ / ٣٣٠، ٣٣١.