للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يُفصِحَ بِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِوَهْنِ الوَاقِدِيِّ عِنْدَ العُلَمَاءِ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّ مَا رَوَاهُ عَنْهُ كَاتِبُهُ فِي (الطَّبَقَاتِ) ، هُوَ أَمثَلُ قَلِيْلاً مِنْ رِوَايَةِ الغَيْرِ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا العَنْبَرِيُّ، قَالَ:

قَالَ الوَاقِدِيُّ: كُنْتُ حَنَّاطاً بِالمَدِيْنَةِ، فِي يَدِي مائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِلنَّاسِ أُضَارِبُ بِهَا، فَتَلِفَتِ الدَّرَاهِمُ، فَشَخَصْتُ إِلَى العِرَاقِ، فَأَتَيْتُ يَحْيَى بنَ خَالِدٍ البَرْمَكِيَّ فِي دِهْلِيزِهِ، وَآنَسْتُ الخَدَمَ، وَسَأَلتُهُم أَنْ يُوصِلُوْنِي إِلَيْهِ، فَقَالُوا: إِذَا قُدِّمَ الطَّعَامُ إِلَيْهِ، لَمْ يُحْجَبْ عَنْهُ أَحَدٌ، وَنَحْنُ نُدْخِلُكَ.

قَالَ: فَأَدخَلُوْنِي، فَأَجلَسُونِي عَلَى المَائِدَةِ.

فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَا قِصَّتُكَ؟

فَأَخْبَرتُهُ، فَلَمَّا رُفِعَ الطَّعَامُ، دَنَوْتُ لأُقَبِّلَ رَأْسَهُ، فَاشْمَأَزَّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا خَرَجْتُ، لَحِقَنِي خَادمٌ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ، وَقَالَ: الوزِيْرُ يَقرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: اسْتَعِنْ بِهَذِهِ، وَعُدْ إِلَيْنَا.

قَالَ: فَعُدْتُ مِنَ الغَدِ، فَوَصَلَنِي بِأَلْفِ دِيْنَارٍ أُخْرَى، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ بِأَلفٍ، وَقَالَ: لَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أَدَعَكَ تُقَبِّلُ رَأْسِي إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَصَلَكَ مِنْ مَعْرُوْفِنَا مَا يُوجِبُ ذَلِكَ، يَا غُلاَمُ! أَعْطِهِ الدَّارَ الفُلاَنِيَّةَ، وَأَعْطِهِ مائَتَيْ أَلفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ: الزَمْنِي، وَكُنْ عِنْدِي.

فَقُلْتُ: أَعَزَّ اللهُ الوَزِيْرَ، لَوْ أَذِنْتَ لِي فِي الشُّخُوصِ إِلَى المَدِيْنَةِ لأَقْضِيَ النَّاسَ أَمْوَالَهُم، وَأَعُوْدَ.

قَالَ: قَدْ فَعَلتُ، وَأَمَرَ بِتَجهِيزِي.

قَالَ: فَقَضَيْتُ دَيْنِي، وَرَجَعتُ، فَلَمْ أَزَلْ فِي نَاحِيَتِهِ (١) .

وَرَوَى: حُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ مُسَبِّحٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:

قَالَ لِي الوَاقِدِيُّ: حَجَّ هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ، فَوَرَدَ المَدِيْنَةَ، فَقَالَ لِيَحْيَى بنِ خَالِدٍ: ارْتَدْ لِي رَجُلاً عَارِفاً بِالمَدِيْنَةِ وَالمَشَاهِدِ، وَكَيْفَ كَانَ


(١) القصه بطولها في " تاريخ بغداد " ٣ / ٤، ٥.