للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَعْرِفَة السُّنَّةِ عِلْماً وَعَمَلاً، وَفِي مَعْرِفَةِ الحَدِيْثِ وَفُنونِه، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَفُرُوْعِه.

وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالوَرَعِ وَالعِبَادَةِ وَالصِّدْقِ.

قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ: قَدِمَ المُتَوَكِّلُ، فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّةَ (١) ، يُرِيْدُ المَدَائِنَ، فَقَالَ لِي أَبِي: أُحِبُّ أَنْ لاَ تَذْهَبَ إِلَيْهِم تُنَبِّهُ عَلَيَّ.

فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ أَنَا قَاعِدٌ، وَكَانَ يَوْماً مَطيراً، فَإذَا بِيَحْيَى بنِ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ فِي مَوْكِبٍ عَظِيْمٍ، وَالمَطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: سُبْحَانَ اللهِ! لَمْ تَصرْ إِلَيْنَا حَتَّى تُبَلِّغَ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ عَنْ شَيْخِك، حَتَّى وَجَّهَ بِي، ثُمَّ نَزَلَ خَارجَ الزُّقَاقِ، فَجهدتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَةِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَجَعَلَ يَخُوضَ المَطَرَ.

فَلَمَّا وَصلَ نَزَعَ جُرْمُوْقَهُ (٢) ، وَدَخَلَ، وَأَبِي فِي الزَّاويَةِ عَلَيْهِ كسَاءٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقبَّلَ جَبهَتَه، وَسَاءلَه عَنْ حَالِه، وَقَالَ: أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ، وَيَقُوْلُ: كَيْفَ أَنْتَ فِي نَفْسِك، وَكَيْفَ حَالُكَ؟ وَقَدْ أَنستُ بقُربِك، وَيَسْألُكَ أَنْ تَدعُوَ لَهُ.

فَقَالَ: مَا يَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلاَّ وَأَنَا أَدعُو اللهَ لَهُ.

ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلفَ دِيْنَارٍ تُفرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الحَاجَةِ.

فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، أَنَا فِي بَيْتٍ مُنْقَطِعٍ، وَقَدْ أَعفَانِي مِنْ كُلِّ مَا أَكرهُ، وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ.

فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، الخُلَفَاءُ لاَ يَحتملُوْنَ هَذَا.

فَقَالَ: يَا أَبَا زَكَرِيَّا، تلطَّفْ فِي ذَلِكَ.

فَدَعَا لَهُ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ، رَجَعَ، وَقَالَ: هَكَذَا لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضُ إِخْوَانِكَ كُنْتَ تَفعَلُ؟

قَالَ: نَعَمْ.

فَلَمَّا صِرنَا إِلَى الدِهْلِيْزِ، قَالَ: أَمرنِي أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَدفَعُهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقهَا.

فَقُلْتُ: تَكُوْنُ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ.

أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُعَاوِيَةَ الرَّازِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ


(١) بفتح أوله وتشديد ثانيه، ثم سين مهملة مكسورة، وهي مجاورة لدار الروم التي في أعلى مدينة بغداد، وهي أعلى من الرصافة ومحلة أبي حنيفة.
(٢) وهو ما يلبس فوق الخف.