للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَيْرُ مُتَطَبِّبٍ كُلُّهُم مُسلِمُوْنَ، فَوَصَفَ لَهُ مُتَطَبِّبٌ قَرْعَةً تُشوَى، وَيُسقَى مَاءَهَا - وَهَذَا كَانَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَمَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ - فَقَالَ: يَا صَالِحُ.

قُلْتُ: لَبَّيكَ.

قَالَ: لاَ تُشْوَى فِي مَنْزِلِكَ، وَلاَ فِي مَنْزِلِ أَخِيكَ.

وَصَارَ الفَتْحُ بنُ سَهْلٍ إِلَى البَابِ لِيَعُودَه، فَحَجَبتُه (١) ، وَأَتَى ابْنُ عَلِيِّ بنِ الجَعْدِ، فَحَبَسْتُه (٢) ، وَكَثُرَ النَّاسُ، فَقَالَ: فَمَا تَرَى؟

قُلْتُ: تَأذَنُ لَهُم، فَيَدعُونَ لَكَ.

قَالَ: أَسْتَخيرُ اللهَ.

فَجَعَلُوا يَدخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَفوَاجاً، حَتَّى تَمتَلِئَ الدَّارُ، فَيَسْأَلُوْنَه، وَيَدْعُونَ لَهُ، وَيَخرُجُوْنَ، وَيَدْخُلُ فَوجٌ، وَكَثُرُ النَّاسُ، وَامتَلأَ الشَّارِعُ، وَأَغلَقْنَا بَابَ الزُّقَاقِ، وَجَاءَ جَارٌ لَنَا قَدْ خَضَبَ، فَقَالَ أَبِي: إِنِّي لأَرَى الرَّجُلَ يُحيِي شَيْئاً مِنَ السُّنَّةِ، فَأَفْرَحُ بِهِ (٣) .

فَقَالَ لِي: وَجِّهْ فَاشْتَرِ تَمْراً، وَكَفِّرْ عَنِّي كَفَّارَةَ يَمِيْنٍ.

قَالَ: فَبَقِيَ فِي خُرَيْقَتِهِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ.

فَأَخْبَرتُهُ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ.

وَقَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ الوَصِيَّةَ.

فَقَرَأْتُهَا، فَأَقَرَّهَا.

وكُنْت أَنَامُ إِلَى جَنْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً، حَرَّكَنِي فَأُنَاوِلُه، وَجَعَلَ يُحرِّكُ لِسَانَه، وَلَمْ يَئِنَّ إِلاَّ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيْهَا، وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِماً، أُمْسِكُهُ فَيَركَعُ وَيَسجُدُ، وَأَرفَعُهُ فِي رُكُوْعِهِ.

قَالَ: وَاجْتَمَعتْ عَلَيْهِ أَوجَاعُ الحَصْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزَلْ عَقلُه ثَابِتاً، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، لاِثْنَتَي عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، لِسَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ، تُوُفِّيَ.


(١) و (٢) في " تاريخ الإسلام ": " فحجبه ".
(٣) انظر تتمة الخبر في " تاريخ الإسلام " ص: ١٢٥، و" مناقب الامام أحمد " ص: ٤٠٣.