نفسي: كم أوضع، والله ليظهرن محمد على قريش. فلحقت بمالي بالوهط. فلما كان صلح الحديبية، جعلت أقول: يدخل محمد قابلا مكة بأصحابه، ما مكة بمنزل ولا الطائف، وما شيء خير من الخروج. فقدمت مكة فجمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأيي ويسمعون مني، فقلت: تعلمون -والله- إني لأرى أمر محمد يعلو علوا منكرا، وإني قد رأيت رأيا. قالوا: وما هو؟ قلت: نلحق بالنجاشي فنكون معه، فإن يظهر محمد كنا عند النجاشي، أحب إلينا من أن نكون تحت يد محمد. وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا.
قالوا: هذا الرأى. قلت: فاجمعوا ما تهدونه له، وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم.
فجمعنا له أدما كثيرا، ثم خرجنا حتى أتيناه، فإنا لعنده؛ إذ جاء عمرو بن أمية الضمري بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليزوجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقلت لأصحابي: لو دخلت على النجاشي، فسألته هذا فأعطانيه لقتلته لأسر بذلك قريشا. فدخلت عليه فسجدت له فقال: مرحبا بصديقي، أهديت لي من بلادك شيئا؟ قلت:
نعم أيها الملك أهديت لك أدما، وقربته إليه، فأعجبه، ففرق منه أشياء بين بطارقته، ثم قلت: إني رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا، فأعطنيه فأقتله، فغضبب ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره، فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم
بثيابي، فأصابني من ذلك الذل ما لو انشقت لي الأرض دخلت فيها فرقا منه. ثم قلت: أيها الملك: لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه. قال: فاستحيا، وقال: يا عمرو، تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى -عليهما