للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

....................................................................................


= البخاري لها في الابواب، فهذا القدر لا يوازي قوة أسانيد البخاري واختياره في " الصحيح " لها ما أورده في " جامع " معاصرة الراوي لشيخه وسماعه منه.
وقال ابن حجر في " تهذيب التهذيب " ١٠ / ١٢٧: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على " صحيح " محمد بن إسماعيل، وذلك لما اختص به من جمع الطرق، وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى.
وقال الامام النووي رحمه الله في " شرحه لصحيح مسلم ": ١٤: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز: " الصحيحان " البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول.
وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة.
وقد صح أن مسلما
كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث.
وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الاتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث.
وقال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري الحافظ شيخ الحاكم أبي عبد الله بن البيع: كتاب مسلم أصح، ووافقه بعض شيوخ المغرب، والصحيح الأول.
وقد قرر الامام الحافظ الفقيه النظار أبو بكر الاسماعيلي رحمه الله في كتابه " المدخل " ترجيح كتاب البخاري، وروينا عن الامام أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله أنه قال: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب البخاري.
قلت: (القائل النووي) ومن أخصر ما ترجح به اتفاق العلماء على أن البخاري أجل من مسلم وأعلم بصناعة الحديث منه، وقد انتخب علمه عليه ولخص ما ارتضاه في هذا الكتاب، وبقي في تهذيبه وانتقائه ست عشرة سنة، وجمعه من ألوف مؤلفة من الأحاديث الصحيحة ... ومما ترجح به كتاب البخاري أن مسلما رحمه الله كان مذهبه، بل نقل الاجماع في أول " صحيحه " أن الإسناد المعنعن له حكم الموصول ب: سمعت بمجرد كون المعنعن والمعنعن عنه كانا في عصر واحد، وإن لم يثبت اجتماعهما، والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما، وهذا المذهب.
يرجح كتاب البخاري ... وقد انفرد مسلم بفائدة حسنة، وهي كونه أسهل متناولا من حيث انه جعل لكل حديث موضعا واحدا يليق به، جمع فيه طرقه التي ارتضاها واختار ذكرها، وأورد فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة فيسهل على الطالب النظر في وجوهه واستثمارها، ويحصل له الثقة بجميع ما أورده مسلم من طرقه بخلاف البخاري، فإنه يذكر تلك الوجوه المختلفة في أبواب متفرقة متباعدة، وكثير منها يذكره في غير بابه الذي يسبق إلى الفهم أنه أولى به، وذلك لدقيقة يفهمهما البخاري منه، فيصعب على الطالب جمع طرقه وحصول الثقة بجميع ما ذكره البخاري من طرق هذا الحديث.