للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَحْمَقَ؟

قَالَ: فَرَبَتْ أَلْسِنَتُنَا حَتَّى خُيِّلَ إِلَيْنَا أَنَّنَا مَقْتُوْلُوْنَ (١) ، فَأَمَّا أَنَا: فَأُبْلِسْتُ (٢) ، وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ: فَخَرِسَ، وَكَانَ تَمْتَاماً، وَكَانَ أَبُو زُرْعَةَ القَاضِي أَحَدَثَنَا سِنّاً، فَقَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ.

فَالتفت إِلَيْهِ الوَاسِطِيُّ، فَقَالَ: أَمْسِكْ حَتَّى يَتَكَلَّمَ أَكْبَرُ مِنْكَ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكُم؟

فَقُلْنَا: أَصَلَحَكَ اللهُ! هَذَا رَجُلٌ مُتَكَلِّمٌ يَتَكَلَّمُ عَنَّا.

قَالَ: تَكَلَّمَ.

فَقَالَ: وَاللهِ مَا فِيْنَا هَاشِمِيٌّ، وَلاَ قُرَشِيٌّ صَحِيْحٌ، وَلاَ عَرَبِيٌّ فَصِيْحٌ، وَلَكِنَّا قَوْمٌ مُلِكْنَا حَتَّى قُهِرْنَا.

وَرَوَى أَحَادِيْثَ كَثِيْرَةً عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي المَنَشْطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَحَادِيْثَ فِي العَفْوِ وَالإِحْسَانِ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِالكَلِمَةِ الَّتِي نُطَالِبُ بِخَزْيِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ الأَمِيْرَ، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ نِسْوَانِي طَوَالِق، وَعَبِيْدِي أَحْرَارٌ، وَمَالِي حَرَامٌ إِنْ كَانَ فِي هَؤُلاَءِ القَوْمِ أَحَدٌ قَالَ هَذِهِ الكَلِمَةَ، وَوَرَءَانَا عِيَالٌ وَحُرَمٌ، وَقَدْ تَسَامَعَ النَّاسُ بِهَلاَكِنَا، وَقَدْ قَدَرْتَ، وَإِنَّمَا العَفْوُ بَعْدَ المَقْدِرَةِ.

فَقَالَ لِلْوَاسِطِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! أَطْلِقْهُم، لاَ كَثَّرَ اللهُ فِي النَّاسِ مِثْلَهُم.

فَأَطْلَقَنَا، فَاشْتَغَلْتُ أَنَا وَيَزِيْدُ بنُ عَبْدِ الصَّمَدِ عِنْدَ عُثْمَانَ بنِ خُرَّزَاذَ فِي نُزَهِ أَنطَاكِيَةَ وَطِيْبِهَا وَحَمَّامَاتِهَا، وَسَبَقَ أَبُو زُرْعَةَ القَاضِي إِلى حِمْصَ.

قَالَ ابْنُ زَبْرٍ وَالدِّمَشْقِيُّوْنَ: مَاتَ أَبُو زُرْعَةَ النَّصرِيُّ سَنَةَ إِحدَى وَثَمَانِيْن وَمائَتَيْن، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ: سَنَةَ ثَمَانِيْنَ.


(١) في الأصل: " مقتولين ".
(٢) الابلاس: الانكسار والحزن، والمبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، ولذلك قيل للذي يسكت عن انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب: قد أبلس.