يَقُوْلُ: لَمَّا أَرَادُوا قتلَ الحَلاَّج، أُحضر لِذَلِكَ الفُقَهَاء، فَسَأَلُوهُ: مَا البُرهَان؟
قَالَ: شوَاهد يُلْبِسُهَا الحَقُّ لأَهْل الإِخْلاَص، يجذبُ فِي النُّفُوْس إِلَيْهَا جَاذب الْقبُول.
فَقَالُوا بِأَجمعهم: هَذَا كَلاَم أَهْل الزَّنْدَقَة.
فنَقُوْل: بَلْ مَنْ وَزَنَ نَفْسَه وَزمَّهَا (١) بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَهُوَ صَاحِبُ برهَان وَحجَّة، فَمَا أَخيَبَ سَهْمَ مَنْ فَاته ذَلِكَ!
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِيْمَا أَنبأُونِي عَنْهُ: إِنَّ شَيْخَه أَبَا بَكْرٍ الأَنْصَارِيّ أَنبأَه قَالَ: شهدتُ أَنَا، وَجَمَاعَة عَلَى أَبِي الوَفَاء بن عَقِيْل قَالَ: كُنْتُ قَدِ اعتقدتُ فِي الحَلاَّج وَنصرته فِي جُزْء، وَأَنَا تَائِبٌ إِلَى اللهِ مِنْهُ، وَقَدْ قُتل بِإِجمَاع فُقَهَاء عصره، فَأَصَابُوا وَأَخْطَأَ هُوَ وَحده.
السُّلَمِيّ: سَمِعْتُ مَنْصُوْر بنَ عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ الشِّبلِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَنَا وَالحَلاَّج شَيْئاً وَاحِداً، إِلاَّ أَنَّهُ أَظهرَ وَكتمتُ.
وَسَمِعْتُ مَنْصُوْراً يَقُوْلُ: وَقَفَ الشِّبلِيُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَصْلُوب، فَنَظَر إِلَيْهِ وَقَالَ: أَلم ننهَكَ عَنِ العَالمِين؟!
أَبُو القَاسِمِ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنَا أَبِي: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بنُ عَبَّاسٍ عَمَّنْ حضَر مَجْلِس حَامِد وَجَاؤُوهُ بدَفَاتِر الحَلاَّج، فِيْهَا: إِنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ الحَجَّ فَإِنَّهُ يَسْتَغنِي عَنْهُ بِأَنَّ يعمدَ إِلَى بَيْتٍ فِي دَاره، فَيعْمل فِيْهَا مِحرَاباً، وَيغتسل وَيُحرم، وَيَقُوْلُ: كَذَا وَكَذَا، وَيُصَلِّي كَذَا وَكَذَا، وَيطوفُ بِذَلِكَ البَيْت، فَإِذَا فرَغ فَقَدْ سَقَط عَنْهُ الحَجّ إِلَى الكَعْبَة.
فَأَقرَّ بِهِ الحَلاَّج وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ رويتُهُ كَمَا سمِعتهُ.
فتعلّق بِذَلِكَ عَلَيْهِ الوَزِيْر، وَاسْتفتَى القَاضِيَيْن: أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بنَ البُهْلُول، وَأَبَا عُمَرَ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: هَذِهِ زَنْدَقَةٌ يَجِبُ بِهَا الْقَتْل.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لاَ يَجِبُ بِهَذَا قتلٌ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ أَنَّهُ يَعْتَقِدُه، لأَنَّ النَّاس قَدْ
(١) أي قيدها وجعل لها زماما.