للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرْوونَ الكُفْرَ وَلاَ يَعْتَقِدُوْنَهُ، وَإِنْ أَخبر أَنَّهُ يَعْتَقِده اسْتُتِيبَ مِنْهُ، فَإِنْ تَاب فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وَإِلاَّ قُتِلَ.

فعمِلَ الوَزِيْرُ عَلَى فتوَى أَبِي عُمَرَ عَلَى مَا شَاع وَذَاع مِنْ أَمره، وَظهرَ مِنْ إِلحَاده وَكُفره، فَاسْتُؤذِنَ المُقْتَدِرُ فِي قَتْلِهِ، وَكَانَ قَدِ اسْتغوَى نصراً القُشُورِيَّ مِنْ طَرِيْقِ الصَّلاَح وَالدِّين، لاَ بِمَا كَانَ يدعُو إِلَيْهِ، فَخوَّفَ نصرٌ السَّيِّدَة أُمَّ المُقْتَدِر مِنْ قَتله، وَقَالَ: لاَ آمَنُ أَنْ يلْحق ابْنَكِ عقوبَةُ هَذَا الصَّالِح.

فمَنَعَتِ المُقْتَدِرَ مِنْ قَتْلِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَأَمر حَامِداً بِقَتْلِهِ، فَحُمَّ المُقْتَدِرُ يَوْمهُ ذَلِكَ، فَازدَادَ نصرٌ وَأَمُّ المُقْتَدِر افتتَاناً، وَتشكَّكَ المُقْتَدِر، فَأَنفذ إِلَى حَامِد يمنعهُ مِنْ قَتْلِهِ، فَأَخَّر ذَلِكَ أَيَّاماً إِلَى أَنْ عُوفِي المُقْتَدِر.

فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَامِد وَقَالَ: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا إِن بَقِيَ قلبَ الشَّريعَة، وَارتدَّ خلقٌ عَلَى يَدَهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى زوَال سلطَانك، فدعنِي أَقتلْه، وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَاقتُلنِي، فَأَذن لَهُ فِي قَتْلِهِ، فَقَتَلَهُ مِنْ يَوْمه، فَلَمَّا قُتل قَالَ أَصْحَابُه: مَا قُتل وَإِنَّمَا قتل بِرْذَوْنٌ كَانَ لفُلاَن الكَاتِب، نَفَقَ (١) يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يعُود إِلَيْنَا بَعْد مُدَّة، فصَارت هَذِهِ الجَهَالَةُ مَقَالَة طَائِفَة.

قَالَ: وَكَانَ أَكْثَر مخَاريق الحَلاَّج أَنَّهُ يظهرهَا كَالمعجزَات، يَسْتَغوِي بِهَا ضَعَفَة النَّاس.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ: أَخْبَرَنِي أَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ التَّنُوْخِيّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَمَاعَة أَنَّ أَهْل مَقَالَة الحَلاَّج يَعْتَقِدُوْنَ أَنَّ اللاَّهوتَ الَّذِي كَانَ فِيْهِ حَالٌّ فِي ابْنٍ لَهُ بتُسْتَر، وَأَنَّ رَجُلاً فِيْهَا هَاشِم يُقَال لَهُ: أَبُو عُمَارَة مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ حلَّت فِيْهِ روح مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُخَاطب فِيهِم بسيِّدنَا.

قَالَ التَّنوخِيُّ الأَزْرَق: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنِ اسْتدَعَاهُ مِنَ الحَلاَّجيَّة إِلَى أَبِي عمَارَة هَذَا إِلَى مَجْلِس، فَتَكَلَّم فِيْهِ عَلَى مَذْهَب الحَلاَّج وَيدعُو إِلَيْهِ.

قَالَ: فَدَخَلتُ وَظنُّوا أَنِّي مُسترشِد، فَتَكَلَّم بِحَضْرتِي وَالرَّجُلُ أَحْوَل، فَكَانَ


(١) أي: مات. قال في اللسان: نفق الفرس والدابة وسائر البهائم ينفق نفوقا: مات.