للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَلفِ دِيْنَارٍ بِبَغْدَادَ؟! هَذَا وَجَاهُكَ قَائِمٌ، فَلِمَ تَغْتَمُّ؟

فَسَجَدَ للهِ، وَحَمِدَهُ، وَبَكَى، وَقَالَ: أَنْقَذَنِي اللهُ بِكَ، مَا عَزَّانِي أَحَدٌ بِأَنفَعَ مِنْ تَعْزِيَتِكَ، مَا أَكَلتُ شَيْئاً مُنْذُ ثَلاَثٍ، فَأَقِمْ عِنْدِي لِنَأْكُلَ وَنَتَحَدَّثَ.

فَأَقَمتُ عِنْدَهُ يَوْمِيْنِ.

قَالَ التَّنُوْخِيُّ (١) :اجتَمَعتُ بِأَبِي عَلِيٍّ - وَلَدِ ابْنِ الجَصَّاصِ - فَسَأَلْتُهُ عَمَّا يُحْكَى عَنْ أَبِيْهِ مِنْ أَنَّ الإِمَامَ قَرَأَ: {وَلاَ الضَّالِّيْنَ} ، فَقَالَ: إِيْ لَعَمْرِي، بَدَلاً مِنْ آمِيْنَ.

وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقَبِّلَ رَأْسَ الوَزِيْرِ، فَقَالَ: إِنَّ فِيْهِ دُهْناً.

فَقَالَ: أُقَبِّلْهُ وَلَوْ كَانَ فِيْهِ خَرَا.

وَأَنَّهُ وَصفَ مُصْحَفاً عَتِيْقاً، فَقَالَ: كِسْرَوِيٌّ؟

فَقَالَ (٢) :غَالِبُهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَتْ فِيْهِ سَلاَمَةٌ (٣) تُخْرِجُهُ إِلَى هَذَا، كَانَ مِنْ أَدهَى النَّاسِ، وَلَكِنْ كَانَ يَفْعَلُ بِحَضْرَةِ الوَزِيْرِ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَوِّرَ نَفْسَهُ بِبَلَهٍ لِيَأْمَنَهُ الوُزَرَاءُ لِكَثْرَةِ خَلْوَتِهِ بِالخُلَفَاءِ.

فَأَنَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيْثٍ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ ابْنَ الفُرَاتِ لَمَّا وَزَرَ، قَصَدَنِي قَصْداً قَبِيحاً كَانَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ، وَبَالَغَ، وَكَانَ عِنْدِي ذَلِكَ الوَقْتَ سَبْعَةُ آلاَفِ أَلفِ دِيْنَارٍ، عَيْناً وَجَوْهَراً، فَفَكَّرتُ، فَوَقَعَ لِيَ الرَّأْيُ فِي السَّحَرِ، فَمَضَيْتُ إِلَى دَارِهِ، فَدَقَقْتُ، فَقَالَ البَوَّابُوْنَ: مَاذَا وَقْتُ وُصُولٍ إِلَيْهِ؟

فَقُلْتُ: عَرِّفُوا الحُجَّابَ أَنِّي جِئْتُ لِمُهِمٍّ.

فَعَرَّفُوهُم، فَخَرَجَ إِلَيَّ حَاجِبٌ، فَقَالَ: إِلَى سَاعَةٍ.

فَقُلْتُ: الأَمْرُ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ.

فَنَبَّهَ الوَزِيْرَ، وَدَخَلتُ وَحَولَ سَرِيْرِهِ خَمْسُوْنَ نَفْساً حَفَظَةً وَهُوَ مُرتَاعٌ، فَرَفَعَنِي،


(١) في " النشوار " ١ / ٣٥ ٢٩، وما بين حاصرتين منه.
(٢) يعني ولد ابن الحصاص.
(٣) أي: غفلة.