للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنُ الجَصَّاصِ: الدُّنْيَا كُلُّهَا مَحمُوْمَةٌ.

وَكَانَ قَدْ حُمَّ.

وَنَظَرَ مَرَّةً فِي المِرآةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: تَرَى لِحْيَتِي طَالَتْ؟

فَقَالَ: المِرْآةُ فِي يَدِكَ.

قَالَ: الشَّاهِدُ يَرَى مَا لاَ يَرَى الغَائِبُ.

وَدَخَلَ يَوْماً عَلَى الوَزِيْرِ ابْنِ الفُرَاتِ، فَقَالَ: عِنْدَنَا كِلاَبٌ يَحرِمُوننَا نَنَامَ.

فَقَالَ الوَزِيْرُ: لَعَلَّهُم جِرَاءٌ؟

قَالَ: بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ فِي قَدِّي وَقَدِّكَ.

وَدَعَا، فَقَالَ: حَسْبِي اللهُ وَأَنبيَاؤُه وَمَلاَئِكتُه، اللَّهُمَّ أَعِدْ مِنْ بَرَكَةِ دُعَائِنَا عَلَى أَهْلِ القُصُورِ فِي قُصُورِهِم، وَعَلَى أَهْلِ الكنَائِسِ فِي كنَائِسِهِم.

وَفَرَغَ مِنَ الأَكْلِ، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ يُحلَفُ بِأَعظَمَ مِنْهُ.

وَكَانَ مَعَ الخَاقَانِيِّ فِي مَرْكِبٍ وَبِيَدِهِ كُرَةُ كَافُوْرٍ، فَبَصَقَ فِي وَجْهِ الوَزِيْرِ، وَأَلْقَى الكَافُوْرَةَ فِي دِجْلَةَ، ثُمَّ أَفَاقَ وَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدتُ أَنْ أَبْصُقَ فِي وَجْهِكَ وَأُلْقِيَهَا فِي المَاءِ، فَغَلِطْتُ.

فَقَالَ: كَانَ كَذَلِكَ يَا جَاهِلُ.

قَالَ التَّنُوْخِيُّ (١) :حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ وَرْقَاءَ الأَمِيْرُ، قَالَ:

اجتَزتُ بِابْنِ الجَصَّاصِ وَكَانَ مُصَاهرِي، فَرَأَيْتُهُ عَلَى حُوْشِ (٢) دَارِهِ حَافِياً حَاسِراً، يَعْدُو كَالمَجْنُوْنِ، فَلَمَّا رَآنِي، اسْتَحْيَى، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟

قَالَ: يَحُقُّ لِي، أَخَذُوا مِنِّي أَمراً عَظِيْماً.

فَسَلَّمْتُهُ، وَقُلْتُ: مَا بَقِيَ يَكْفِي، وَإِنَّمَا يَقْلَقُ هَذَا القَلَقَ مَنْ يَخَافُ الحَاجَةَ، فَاصْبِرْ حَتَّى أُبيِّنَ لَكَ غِنَاكَ.

قَالَ: هَاتِ.

قُلْتُ: أَلَيْسَ دَارُكَ هَذِهِ بِآلَتِهَا وَفُرُشِهَا لَكَ؟ وَعَِقَارُكَ بِالكَرْخِ وَضِيَاعُكَ؟

قَالَ: بَلَى.

فَمَا زِلْتُ أُحَاسِبُه حَتَّى بَلَغَ قِيمَةَ سَبْعِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاصْدُقْنِي عَمَّا سَلِمَ لَكَ.

فَحَسبْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، قُلْتُ: فَمَنْ لَهُ أَلفُ


(١) في " النشوار " ١ / ٢٦، وما بين حاصرتين منه.
(٢) كذا الأصل، وفي " النشوار ": روشن.