للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: أَجمع أَهْلُ الكُوْفَة عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَ مِنْ زَمَانِ ابْن مَسْعُوْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - إِلَى أَنْ وَجد ابْنُ عُقدَة أَحْفَظُ مِنِ ابْنِ عُقْدَة (١) .

قَالَ أَبُو عَمْرٍو النَّيْسَابُوْرِيّ الصَّغِيْرُ: نَزَلْنَا خَاناً بِدِمَشْقَ العصرَ، وَنَحْنُ عَلَى أَن نُبَكِّرَ إِلَى ابْنِ جَوْصَا، فَإِذَا الخَانِيُّ يَصِيْح: أَيْنَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظ؟ فَقُلْتُ: هَا هُنَا، قَالَ: قَدْ حَضَرهُ الشَّيْخ زَائِراً.

فَإِذَا بِأَبِي الحَسَنِ بن جَوْصَا عَلَى بغلَةٍ، فَنَزَلَ عَنْهَا، ثُمَّ صَعِدَ إِلى غُرفَتِنَا، وَسلَّم عَلَى أَبِي عَلِيّ، وَرَحَّب بِهِ، وَأَخَذَ فِي المذَاكرَة مَعَهُ إِلَى قُرب العَتَمَة (٢) ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ، جمعتَ حَدِيْثَ عَبْد اللهِ بن دِيْنَار؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: أَخْرِجْهُ إِلَيَّ.

فَأَخْرجَه، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ فِي كُمِّه وَقَامَ.

فَلَمَّا أَصبحنَا جَاءَنَا رَسُوْلُه، وَحملَنَا إِلى مَنْزِلِهِ، فَذَاكَرَه أَبُو عَلِيٍّ، وَانتَخَبَ عَلَيْهِ إِلَى المسَّاء، ثُمَّ انصَرفْنَا إِلَى رَحْلِنَا، وَجَمَاعَة مِنَ الرَّحَّالة يَنْتظِرُوْنَ أَبَا عَلِيٍّ، فسلَّمُوا عَلَيْهِ، ثُمَّ ذكرُوا شَأْنَ ابْن جَوْصَا، وَمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيْث الَّتِي أَنكروهَا، وَأَبُو عَلِيٍّ يُسَكِّتُهم، وَيَقُوْلُ:

لاَ تفعلُوا، هَذَا إِمَام مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَقَدْ جَاز القَنْطَرَة (٣) .

قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: سَأَلت الدَّارَقُطْنِيّ عَنِ ابْنِ جَوْصَا، فَقَالَ: تَفَرَّد بِأَحَادِيْث، وَلَمْ يَكُنْ بِالقَوِيّ (٤) .

قُلْتُ: هُوَ مِنَ الشُّيُوْخ النَّوَازل عِنْد حَمْزَة بن مُحَمَّدٍ الكِنَانِيّ، وَلِهَذَا يَقُوْلُ: عِنْدِي عَنِ ابْنِ جَوْصَا مِئتَا جُزْء لَيْتَهَا كَانَتْ بيَاضاً. وَترك حَمْزَةُ الرِّوَايَةَ


(١) " تاريخ بغداد ": ٥ / ١٦.
(٢) وقت صلاة العشاء.
(٣) " تاريخ ابن عساكر ": ٢ / ٢٨ أ.
(٤) " تذكرة الحفاظ ": ٣ / ٧٩٧.