الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، واجتنبوا كل ما شاع وظهر من الفتن، نسأل الله عز وجل أن يسلمنا منها.
أيها الإخوة! أمران أختم بهما، وأعرج على صور تناقض كثيراً مما ذكرناه: الإعلام والإحكام.
الإعلام اليوم هو الذي يسمعه الناس من الإذاعات، ويقرءونه مكتوباً على الصحف، ويشاهدونه على الشاشات، فهو مصدر من المصادر الأساسية، بل يكاد يكون عند كثير من الناس هو المصدر الأول لمعرفة المعلومة وتحليلها ومعرفة ما وراءها، ومن هنا تأتي مسئولية الكلمة، ومسئولية الإحكام في الحديث عن الأمور كلها، وخاصة في الأحوال التي تكون فيها التباسات واشتباهات، ومن هنا ندرك عظمة الكلمة في منهج الإسلام:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:٣٥ - ٣٦]، وفي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً)، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري:(الرجل يتكلم بالكذبة تبلغ الآفاق)، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه يعذب بكلاليب يؤتى بها إلى فمه ثم تشقه إلى آخر شدقه، ثم يعود كما كان، ومن هنا لابد لكل أحد في كل دائرة من دوائره حتى في أسرته وفي دائرة قرابته من التثبت، فيجب أن نحرص على الانتباه لهذا، والدقة فيه، فإنه قد يكون أمران متناقضان أو متباعدان والوسط بينهما هو الحق، فثمة مبالغة في التهويل، أو مبالغة في التهوين، وليس ذلك مطلوباً، ولا هذا مرغوباً، بل ينبغي الحرص على الحقائق، وليس كل ما يعلم يقال، فإن من الأمور ما ينبغي إخفاؤه أو عدم التصريح به؛ لئلا يتسبب في أمور من البلبلة، أو غير ذلك.
وهذا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم بلغه في ذلك الموقف العصيب في يوم الأحزاب نقض بني قريظة للعهد، فلم يقبل الخبر على عواهنه، بل أراد تثبتاً وتبيناً فأرسل السعدين ليستجليا له الخبر، ثم قال:(إن علمتما خيراً فأذيعا) أي: إن كان الأمر أن القوم على عهدهم فانشروا ذلك وأذيعوه وبثوه في وسائل الإعلام؛ لتثبت القلوب، وترتفع الروح المعنوية، وتزيل البلبلة، قال:(وإن كان غير ذلك؛ فالحنوا لي لحناً لا يعرفه غيري) أي: قولوا قولاً ليس صريحاً لا يفقهه سواي؛ حتى لا يذاع الخبر فيكون سبباً في شيء من إضعاف المعنويات، أو في شيء من الخوف، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(عضل وقارة)، ذكروه بأخبار بعض من سلف من الغادرين، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أبشروا، الله أكبر! الله أكبر! أبشروا أبشروا) أراد أن يطمئن النفوس والقلوب، وإن كان قد أخذ بالأسباب، ولم يغب عنه ما ينبغي أخذه في مثل هذا الأمر، لكنه كان يدرك عليه الصلاة والسلام كيف ينبغي أن تبث الأخبار وأن تنشر الوقائع، كما نرى أحياناً في وسائل الإعلام بعض ما يحصل من الجرائم والفواحش، ويذكرون قصصها وتفاصليها، فيكون أثر ذلك في بعض الأحيان من الناحية السلبية أكثر من الإيجابية، فتهون المعاصي في نفوس الناس، وتجرئهم عليها، وقد تبين لهم سبلها، وذلك ما يقوله الإعلاميون والتربيون والنفسيون فيما تبثه الوسائل الإعلامية من الأفلام الإجرامية والعنفية وغير ذلك.
فينبغي أن نراعي ذلك، وأن نلتفت له، فلابد من الدقة في استخدام المصطلحات، وتحرير محل النزاع، وعدم إطلاق الكلمات التي لها دلالات مختلفة دون تعيينها وتحديدها، حتى لا يحصل من ذلك ما يكون فيه أثر غير محمود.