ماذا نعمل؟! إن الطريق الطويل الذي رسمه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، ورسمه كل قادة الأمة وأبطالها إنما يمر عبر التربية والتعليم، والدعوة الإيمانية الإسلامية التي لا بد أن نأخذ بها، وأن نأخذ بالحظ الأوفى والأوفر منها، وأن نشيعها في أبنائنا ومجتمعاتنا، وأن نغير بها القلوب والعقول؛ لتكون قلوباً إيمانية، وعقولاً إسلامية؛ فحينئذ ستكون بإذنه عز وجل مقاومة إيمانية، وجهاداً إسلامياً، ومنهجية شرعية، ورؤية واضحة، ومواقف مشرفة.
ليست القضية انفعالاً عابراً، وقد حدثني أحد الإخوة قبل الخطبة، وهو يريد أن يؤسس لهذا المعنى، فقال: قد حزنا وتفاعلنا يوم مقتل الدرة ذلك الغلام الصبي الصغير، ورأيناها جريمة بشعة تحركت لها القلوب والعواطف، ثم مرت أيام وعدنا إلى ما كنا عليه! قال: وسيكون هذا مثل هذا.
وأقول: بإذن الله عز وجل لن يكون هذا، لكنه لا بد أن ندرك أن معركتنا هي معركة الإصلاح في أعماق النفس أولاً، ومعركة الإصلاح في واقع المجتمع ثانياً، ومعركة التغيير في مجموع أحوال الأمة، فإذا توافر ذلك تحقق الوعد الرباني: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، وتحققت النتيجة التي لا يشك فيها مؤمن:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ}[آل عمران:١٦٠]، أما أن نقول: ماذا نصنع؟ ونصيح ما الذي يمكن أن نفعله ونحن نشعر أننا مقيدون؟ فأقول: إن من يقول ذلك عنده أمران ينبغي أن ينتبه لهما: الأول: تفريط وقعود عن ميادين عمل كثيرة مفتوحة أمامه، ويريد أن يخفف عن نفسه بهذه العاطفة الجياشة؛ فنقول له: انتبه! كن صادقاً مع نفسك، وإن كنت مؤمناً مسلماً تريد خدمة أمتك فأنت أعلم بما تقيمه في نفسك وأهلك.
انظروا إلى أنفسكم واسألوها: كم منا صلى اليوم الفجر في مسجد جماعة؟ ومن تخلف كيف يقول: ماذا أصنع؟ ويقول: كيف أنصر ديني وأمتي؟ كيف تنصر دينك وأمتك وأنت من أسباب ضعفها، وأنت من أسباب بلاء الله عز وجل عليها؟! المحن التي يقدرها الله على الأمة هي بسبب تخلفها عن أمره، أو ارتكابها لنهيه، وهذا أمر واضح بين.
الثاني: وهي قضية أخرى من القضايا المتعلقة بالعاطفة: أن الناس يريدون أن ينفسوا عن عاطفتهم، ولو أنني صحت لهم، وبكيت لهم، وبكوا؛ لخرجوا مطمئنين مرتاحين! كلا.
لا نريد ذلك، نريد أن تترجم كل شعور بالرغبة في خدمة الدين، وكل شعور بالنقمة على أعداء الدين تترجمه إلى عمل طويل إلى التزام صادق إلى تغير حقيقي في حياتك إلى البذل لدينك من وقتك وقولك وفعلك وحالك ومالك وولدك ما استطعت؛ فإن المسألة أعظم من مثل هذه العواطف العابرة، واستمعوا لقول الله سبحانه وتعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤].
أين كفة الأزواج والأبناء، والعشيرة والأموال، والدور والقصور، والتجارات من كفة محبة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج الإسلام، والجهاد في سبيله وإعزازه، والتضحية لأجله؟! إذا تساوت الكفتان فلا فائدة ولا نفع، وإن لم ترجح كفة الإيمان والإسلام في نفسك على خاصة حظوظك الدنيوية وحياتك اليومية فلا نفع من ذلك، فلذلكم حاسبوا أنفسكم.