حديث عظيم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً، ويروى عن أبي هريرة موقوفاً، عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال:(المؤمن مرآة أخيه، إذا رأى فيه عيباً أصلحه) وأما الرواية المرفوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي أيضاً من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه) ومعنى (المؤمن مرآة أخيه) أنه مقوم له ومصحح لمساره؛ لأن الإنسان إذا لبس ثوبه نظر في مرآته ليصحح من وضعه، وليرى خطأه في ذلك، ويرى في المرآة ليستكشف ما لا يحب الاطلاع عليه؛ لأن العين لا تبصر جبهته، ولا تبصر وجنته، فيستعين بهذه المرآة، ولا شك أنه يحتاج إليها، ويفتقر إليها، فلو تصورنا أن في المرآة غبشاً أو نوعاً من الضباب أو نوعاً من الغبار فما تراه يصنع؟ هل تراه يعمد إليها، فيكسرها فيفقد خيرها فلا ينتفع بها ألبتة أم تراه يتلطف بها ويمسح عنها غبارها، وينظفها بكل أسلوب حسن يستطيعه حتى ينتفع بها؟ إن كان فيها الغبار ولم يزله بقي عليها، وإن كسرها أو استغنى عنها لم يزل مفتقراً إليها؛ وكذلك الأمر ما بين المؤمن والمؤمن، ينبغي أن يكونا على مثل هذا الأمر.
هذه جملة يسيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبئنا عن منطلقات مبدئية لولوجنا حول هذا الموضوع، وقد قال الله سبحانه وتعالى في أقسام الناس:{وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ}[التوبة:١٠٢] فرجا الله سبحانه وتعالى العفو لمن خلط ذاك بذاك.
وقد عمم العلماء حديثاً من قاعدة فقهية تطبيقية إلى قاعدة معنوية في التقويم، وهو حديث:(إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ما معنى لم يحمل الخبث؟ قد يكون فيه خبث ولكنه لا يضره، وكذلك من غلبت محاسنه وكان فيه قليل خطأ؛ فإن قليل الخطأ لا يضره مع كون الخطأ يبقى خطأً، ولا يفهم من قولهم:(لا يضره) أنه ينقلب إلى صواب.