تعلمون أن أولئك القوم ناموا يوم سبتهم لا يلتفتون إلى شيء، وكانوا متنعمين وطاعمين وشاربين، فأصبحوا وهم في هول الكارثة، وأنت أيها الأخ المسلم في هذه الديار لم تصب بشيء، فهل نبقى متفرجين ومتناقلين للأخبار وربما ضاحكين وعابثين؟! أليست القنوات ما تزال تبث الرقص والغناء، وتأتيك نشرة الأخبار بالموت وبعده بالأرداف المهتزة، والصدور المترجرجة وغير ذلك؟! أليس هذا تناقضاً؟ كان الواجب علينا الاعتراف بنعمة الله، والشكر والحمد على نعمة الله، ولعلي هنا أستحضر الحديث العظيم الذي رواه سهل بن سعد عند الترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)، هذه هي الثروة العظمى، لو أن واحداً من أولئك الذين أصيبوا قلت له: ماذا تريد لقال: لو كنت نائماً وليس عندي من الدنيا شيء إلا الأمن والأمان وإلا صحة الأبدان، وإلا كسرات من خبز يقوم بها صلبي؛ لكان ذلك خيراً.
ونحن بحمد الله بتنا آمنين في أسرابنا وبيوتنا وعند أهلينا، وبحمد الله لنا صحة في أبداننا، وليس عندنا قوت يومنا فحسب بل أيامنا وشهورنا، بل ربما أعوامنا، فأين نحن من شكر نعمة الله، خاصة عندما نراها قد سلبت من قوم مؤمنين مسلمين أو كفرة غير مؤمنين؟ أليس أولئك قد حرموا ذلك؟ أليس أمنهم قد أصبح مهدداً بأرض ترجف من تحتهم، وماء يغمر بيوتهم وديارهم؟! أليست الآن أعظم خطورة يتحدث عنها هي خطورة الأمراض والأوبئة التي يخشى أن تفتك بأكثر مما فتكت به تلك الأمواج والفيضانات؟ أليست الأقوات والأرزاق والأثاث والرياش كلها قد انتهت إلى لا شيء في لحظات؟ ولو رأينا وسمعنا بعض ما كان في هذه الأحداث لرأينا عجباً وسمعنا هولاً، أين نحن من شكر نعمة الله عز وجل ونعمه علينا متوالية؟! أين نحن من شكر هذه النعم بالعمل {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}[سبأ:١٣] أين نحن من قصد السبيل الصحيح إلى حفظ النعم وزيادتها؟ {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:٧].
أين نحن من تذكر هذه النعمة؟ إننا لو تصورنا اليوم أن واحداً من قرابتنا المباشرين في تلك الأماكن، أليس شعورنا سيكون مختلفاً؟ ألسنا سنشعر بالخوف بقدر أكبر؟ ألسنا سنحس بالمأساة بصورة أعمق؟ ألسنا سندرك الهول بحجم أكبر؟ فما بالنا ونحن في بيوتنا وديارنا لا نتذكر هذه القدرة، ولا نتذكر هول يوم القيامة، ولا نستحضر النعمة العظيمة؟