للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوقفة الثالثة: القرب من الطلاب والرأفة بهم]

وثالثة مهمة، وهي قربهم من الطلاب والطالبات ورأفتهم بهم وشفقتهم عليهم، وإبداؤهم كامل الحب لهم، فإن التعليم لا يجد طريقه إلى العقول، وإن الفهم لا يجد طريقه إلى القلوب إلا عندما يقبل ذلك الطالب أستاذه ويحبه من قلبه، وتتعلق به نفسه.

تأمل كيف كان تعليم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، بل كيف وصفه الله عز وجل وبين صفته العظمى في تعليمه؟ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، ووصفه الله جل وعلا في حاله مع من يدعوهم ويعرضون فقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:٦]، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه فقال: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعل الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم من النار) ذلك هو الشفيق الرحيم.

لا يمكن أن تعلم أحداً وأنت دائم القسوة عليه، وأنت دائم النفرة منه، وأنت دائم العبوس في وجهه، ولن تصل كلماتك إلى عقله وقلبه.

ومن هنا نقول: كيف علم النبي صلى الله عليه وسلم؟ خذ ذلك الحديث الرقيق الأديب العجيب الذي قال فيه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: (يا معاذ! والله إني لأحبك) ثم شرع يعلمه الحقيقة العظمى، ففرح معاذ بتلك المقدمة، وانشرح صدره، وتهيأ قلبه، وانفرجت أساريره، وتلهفت نفسه، فكل كلمة حينئذ تقع موقعها، وتقبل وتؤثر بإذن الله عز وجل.

وكان رديفه ابن عباس -كما في الحديث المشهور- وهو غلام صغير، فيلتفت إليه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فيقول: (يا غلام! إني أعلمك كلمات) كلها مقدمات.

والقرآن يعلمنا في قصة لقمان {يَا بُنَيَّ} [لقمان:١٦] مما يبين أن هذا التلطف والشفقة والرحمة مهمة في غاية الأهمية.