[الوقوف أمام الباطل من ضروريات الدين]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، فاتقوا الله في السر والعلن، واحرصوا على أداء الفرائض والسنن.
وإن ما ذكرناه -معاشر الإخوة المؤمنين- من قصد المخالفة والتميز والتفرد، وما أشرت إليه من هذه الأحوال المخالفة في واقع أمتنا، لا نذكره تأييساً للنفوس، ولا تقنيطاً لها، لا من رحمة الله ولا من تغيير هذا الواقع، فإن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وإننا اليوم مع تعاظم هذه الصور المنكرة، والتيارات الجارفة نرى بحمد الله يقظة في القلوب والعقول تؤدي إلى الاعتصام بدين الله كتاباً وسنة، وإلى التحرز من هذه الموجات التغريبية التي تجر الناس بعيداً عن حياض دين الله عز وجل، ولذلك إنما نقول هذا لنبعث الهمة على المخالفة، والقوة في الثبات في مواجهة التيارات التي تذيب وتغير كل خصائص أمتنا؛ لتنزعها وتجعلها مع القوم دون أن يكون لها أي أصالة، ولا أي قوة، ولا أي ثبات، ولا أي قدرة على التأثير الإيجابي في غيرها.
ومن جهة أخرى نذكر بها لنحذر من خطر هذه الهجمة، وعدم التهاون فيها، وعدم النظر إليها على أنها ضروب من الأفكار، أو على أنها مشاريع للاستثمار أو نحو ذلك، فإننا لا نحسب أن العاقل المتأمل ينظر إليها إلا ويرى فيها قصداً لإماتة الغيرة، وإضعاف التميز في هذه الأمة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ثم كذلك لننظر إلى أمر مهم وهو عدم السماح باختلال الموازين، واختلاف المقاييس، فلا نوافق ما يشيع في الإعلام، ولا ما يتردد في أروقة السياسة، عن أولئك النفر الذين ما زالوا هم المعادلة الراجحة في واقع أمتنا اليوم في أرض فلسطين، من الثابتين يوم تراجع غيرهم، ومن القائمين بالحق يوم داهن الناس فيه وتخلوا عنه، ومن المتصدين لإعلاء كلمة الله عز وجل يوم ترك ذلك كثير من المسلمين، ومع كل مواقفهم العظيمة في وجه اليهود المعتدين الغاصبين الظالمين، في كل مواقف القوة والإيمان والجرأة؛ نرى من يتهمهم بأنهم انتحاريون، وبأنهم يضيعون مصالح الأمة، وبأنهم لا يقدرون ظروف السياسة، وبأنهم لا يعرفون أوضاع الاقتصاد، وبأنهم كذا وكذا، ويتداولون كلمات الإرهاب وغيرها من المصطلحات، فإذا بها تروج بيننا، وتتردد عندنا، ولا نكاد ندرك أهمية مواقفهم وأهمية وضرورة ووجوب إسنادهم وإعانتهم، فإنما هم صف متقدم في وجوه العدو الأكبر الذي يتربص بنا اليوم الدوائر من كل جهة، وعبر كل وسيلة وطريقة من سياسة واقتصاد وإعلام واجتماع وغيره، فينبغي لنا أن ننتبه لذلك، وأن نعرف لأولئك القوم فضلهم وأثرهم، وأن يكون لنا على أقل تقدير بأعماق قلوبنا وصادق دعائنا فضلاً عن نصرتنا بكل حال من الأحوال ما يثبتهم، وما يجعلنا أيضاً نعتز بذلك ونفتخر، ونرى نموذجاً إن كان الآخرون في أقصى الأرض وشرقها قالوا: إن الضغوط قد أجبرتنا على أن نغير أو أن نبدل هنا أو هناك، فما بال الذين هم في جوف المحنة وفي شدة القسوة ثابتون! ثبتوا فثبتهم الله عز وجل، ونصروا دين الله فنصرهم، وأصبحوا حجر عثرة تدور الأحداث كلها على مدار وعلى محور هو: كيف يتم التخلص من هؤلاء؟! وكل هذه الأراجيف والأحابيل والألاعيب السياسية والاقتصادية إنما تدور على هذا المعنى.
فالله الله في دينكم! والله الله في أمتكم! والله الله في كتاب ربكم! والله الله في سنة نبيكم! والله الله في إخوانكم المجاهدين الثابتين على مواقع الثغور في أرض فلسطين وفي غيرها! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا هداة مهديين.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم أحسن ختامنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يارب العالمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم أجمعين يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].
وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
{وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].