[مكانة مسئولية تربية الأبناء في القرآن الكريم]
هذه المسئولية مسئولية عظيمة جليلة، وهي في كتاب الله وفي هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وحسبنا هذه الومضات التي نريد أن نبين فيها اقتران الفرائض والواجبات التي يعرفها كل المسلمين مع هذه المهمة العظيمة في التربية، يقول عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢] هذه الآية في هذا الأمر العظيم والمهمة الجليلة، قال السيوطي في الإكليل تعليقاً على هذه الآية: إنه يجب على الإنسان أن يأمر أهله من زوجة وعبد وأمة وسائر عياله بتقوى الله والطاعة، وخصوصاً الصلاة.
وقال ابن علان الدمشقي في هذه الآية: أي: يأمر زوجته وأبناءه المميزين الذكور والإناث.
إن الأمر الرباني الذي حملنا أمانته كالإيمان والتوحيد وأداء الفرائض والعبادات، حملنا كذلك معه هذه المسئولية الجسيمة والأمانة العظيمة فيمن ولانا الله عز وجل أمرهم، وجعلنا سبباً لوجودهم، وسخرنا لكي نكون رعاة لهم، نغذوهم ونقوتهم، ونعينهم ونحدب عليهم ونحميهم، ويجب كذلك أن نعلمهم ونؤدبهم ونربيهم، فإن فرطنا فقد أخللنا بهذه الأمانة، وضيعنا هذه المسئولية، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].
وهذا النداء الإيماني له عظمة كبيرة قال ابن مسعود: (إذا سمعت قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فارعها سمعك؛ فإنها إما أمر تؤمر به أو نهي تزجر عنه).
ومما قاله أهل التفسير في هذا النداء: إنه تلطف من الله سبحانه وتعالى بعباده، وتحبب إليهم بندائهم بأحسن أوصافهم وأجل خلالهم وهو إيمانهم به، وفي النداء كذلك أيضاً أمر مهم وهو استدعاء متطلب الإيمان وتبعته، فإن للإيمان أمانة ومسئولية، فكأن النداء يقول: إن مقتضى إيمانكم وحقيقته يترتب عليه التزام أمر الله وشرعه، واقتفاء هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام بالمهمة والأمانة التي كلفك الله عز وجل بها بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ} [التحريم:٦]، وليست هذه وحدها مسئوليتكم، بل {وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهلكم بذكر الله، ينجيكم الله من النار).
وقال مجاهد رحمه الله: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله.
وتوسع قتادة في بيان المعنى فقال رحمه الله: يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها وزجرتهم عنها.
وأوجز البغوي ذلك مع ربطه بالعاقبة المهمة في الآخرة فقال: مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم، والنتيجة والثمرة المهمة تقونهم بذلك النار.
من يريد أن يكون أبناؤه حطباً لجهنم؟! إذا فرط في تربيتهم وقصر في تعليمهم ولم يجتهد في تأديبهم، كان سبباً مباشراً في انحرافهم والعياذ بالله! وامض مع الآيات فإنك واجد فيها كثيراً من ذلك في الآداب والتربية قبل التكليف، وهي الأساس المهم والقاعدة الرئيسة والركن الركين الذي لا بد من العناية به، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور:٥٨] الذين لم يبلغوا الحلم ليس عليهم تكليف، ما زال القلم مرفوعاً عنهم، ومع ذلك يعلمهم آباؤهم وأمهاتهم تلك الآداب، عند سن التمييز ومنذ نعومة الأظفار؛ لأن الآية بعد ذلك جاءت: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:٥٩] عند ذلك صاروا أهل تكليف، وصارت المهمة في أعناقهم، والأمانة في رقابهم، أما قبل ذلك فما زالت الأمانة في رقابكم، والواجب منوطاً بكم، والمهمة معقودة عليكم، والله عز وجل قد ذكر من ذلك الكثير.