الحمد لله لا إله غيره ولا رب سواه، لا يضل من استهداه، ولا يخيب من رجاه، ولا يحرم من دعاه، له الحمد سبحانه وتعالى جل جلاله، وتقدست أسماؤه، وعظمت صفاته، هو أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.
فله الحمد كما يحب ويرضى، وله الحمد كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وله الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما بينهما وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فإن التقديس والتدنيس في أمور عظيمة جليلة لها في قلب كل مؤمن مخلص ومسلم غيور أعظم موقع وأسمى مكان، وإن المسلم اليوم يرى أموراً ويسمع أخباراً ما كان يخطر ببالنا -ولو على سبيل التخيل والرجم بالغيب- أن يكون مثلها.
وقد يعجب بعض الناس ويتساءلون عن السبب الذي أوصل الأمة إلى هذا الموقف، وكلنا يعلم كم مر في الآونة الأخيرة من جرائم على مقدساتنا، بدءاً بتسفيه آيات القرآن العظيم، ومروراً بالعدوان والانتقاص للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتعريجاً على صور من التدنيس والإهانة لكتاب الله جل وعلا، وكذا العدوان على المقدسات الإسلامية كرّة بعد كرّة، ومرة بعد مرة، كما في بيت المقدس مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأحسب أن بإمكاننا في مثل هذا الموضوع أن نرفع الصوت عالياً، وأن نستجيش العواطف لتختنق الحلوق بالعبرات، وتذرف العيون بالدمعات، وتهتز الرءوس بشيء من الاعتراف، وتلهج الألسن بحوقلة واسترجاع، ثم نمضي دون أن يكون لنا من وراء ذلك ما هو أعظم من هذه الصور الظاهرة، ومن هنا آثرت أن لا يكون حديثي على ذلك النحو الذي قد وصفته، فنحن لسنا في حاجة إلى الصراخ، فإنه يملأ الأجواء؛ ولسنا في حاجة إلى الاستنكار؛ فإنه قد ملئت به القنوات والإذاعات والمؤتمرات.
ولكننا نحتاج إلى اكتشاف العلة ومعرفة الداء والنظر إلى المقدمات، ومعرفة الخلل الذي نشارك فيه جميعاً ولا يكاد يسلم فيه منا أحد إلا من رحم الله.