والإسلام عندما يحرم التبذير فإنه يحفظ الثروة العامة للأمة ككل، بل ولصاحبها الذي لا يعلم ما يستقبل من الأيام، فقد يحتاج إلى هذا الذي أسرف فيه في يوم تدور فيه الدوائر ويحتاج فيه إلى أقل من ذلك، فضلاً عما ينتج عن ذلك من أثر في الناحية المعنوية والتربوية الاجتماعية من وجود هذا التفاوت وحنق الضعفاء على الأغنياء، ووجود المفارقات والطبقيات التي لها من الآثار ما لها.
وحسبنا في الأمثلة والقدوات ما جاء في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم تزوج ويوم زوج، فهل ثمة أشرف وأعظم من زواج النبي صلى الله عليه وسلم أو تزويجه لبناته؟! كم كانت مقادير المهور، وكم كانت تكاليف مناسبات الأفراح في تلك النماذج المشرقة الوضيئة؟ ولئن كان فرق بيننا وبين ذلك المجتمع فإن الصورة النسبية ظاهرة لا تخفى على أحد، حتى لا يقال: إننا في عصر غير ذلك العصر، ونجد أن الإحصاءات تدلنا على أمور أخرى، وقد نشر خلال الأيام الماضية تقارير أعتقد جازماً أن من رآها بكى قلبه قبل أن تبكي عينه.
إنها تقارير مجاعة في النيجر، يموت فيها الأطفال دون الثانية من العمر، وصورهم تمثل هياكل عظمية وتنبئ عن أمراض خطيرة، وبمجرد النظر يجد الإنسان نفسه قد كاد يفقد لذة طعامه الذي يأكله ومائه الذي يشربه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره طاو.
أين نحن من التكامل الذي حرك النبي صلى الله عليه وسلم وأثر في مشاعره يوم رأى الفقراء من مضر، فتمعر وجهه -أي: تغير حزناً- ثم دعا الناس للإنفاق، فبادر الأنصاري بصرة من ذهب كادت كفه أن تعجز عنها بل قد عجزت، فتتابع الناس واجتمع كومان من ثياب وطعام، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة من شدة فرحه بهذا التعاطف وبهذه الروح الإيمانية، وبهذه النفوس الرقيقة الرحيمة التي وإن أخذت بقوله جل وعلا:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:١١]؛ فإنها لا تنسى ذلك الجانب الآخر.
صورة تتكرر في مواسمنا الصيفية وأفراحنا المتتابعة، حيث نجعل الأفراح مقترنة في كثير من الأحوال بترك المباح، أو على أقل تقدير بتجاوز المندوبات والمستحبات إلى دائرة الشبهات والمكروهات، بل نتعداها إلى أكثر من ذلك، وهذا يحتاج منا إلى تأمل وإعادة نظر.