دعوني أنقل لكم بعض الصور في بلاد بعيدة من خلال أقليات مسلمة، لنرى أن من قام بالإسلام وعمل به كان له دور وأثر، وأن هناك من ضيع وفرط، وأن الخير في هذه الأمة يزداد ويتضاعف، ويوم يتقلص الشر والفساد والإفساد فسوف تتنزل علينا من رحمات الله ما حجبت بسبب الذنوب والمعاصي والآثام:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم:٤١]، تلك هي سنة الله عز وجل.
في أقصى شمال الأرض التي في بعض بقاعها ومناطقها تمر بهم أيام ليس فيها نهار أبداً، أو نهار ليس فيه ليل أبداً، ووجدت فيها مسلمين يأتون ليفرغوا أنفسهم وأوقاتهم ويتركوا أهلهم وأعمالهم ليتعلموا دينهم، ويسألوا عن صلاتهم وصيامهم وسائر أوضاعهم.
ورأيت في تلك المجتمعات صوراً أخرى متناقضة، صوراً ممسوخة نسيت دينها، وانسلخت من تاريخها، وتجردت من أصولها، وأصبحت نموذجاً مشوهاً للضياع والتيه.
وفي بلد أخرى مسجد للمسلمين مهدد بالضياع؛ لأنهم لا يملكون تسديد باقي قيمته، وفي الوقت نفسه في تلك البلاد تاجر فاجر يملك الملايين وهو منتسب إلى الإسلام، لا يعرف طريق المسجد، ولا يدري أين موقعه، وتدور الدائرة عليه ويصبح رهين السجن نتيجة لتلاعبه وتحايله! وفي بلد آخر لقيت جمعاً من الناس يفضون بهمومهم، فإذا هي حول تعليم أبناء المسلمين، كيف ينشئون المدارس في الأوقات الإضافية في آخر الأسبوع ليعلموا العلوم الإسلامية واللغة العربية، ليحفظوا الهوية، ويجعلوا الجيل القادم جيل إسلام وطهر ونقاء، وعلى مقربة منهم ببضع خطوات لا أكثر سياح من بلاد الإسلام والمسلمين، يبذرون الأموال في الملاهي وشرب الخمور والعهر والفساد، كأنما الإنسان يرى التناقض العجيب والصورة المتعارضة؛ فيدرك أن سنة الله عز وجل تمضي بقدر الله عز وجل؛ ليكون في ذلك بإذنه جل وعلا خير عاجل غير آجل إن شاء الله.
وصورة أخرى أنقلها لنرى هذا التناقض الذي يكاد يعرفه كل الناس: سائق أجرة مسلم في عاصمة غربية كبرى ركبت وحدثته، فحدثني بغيظ عظيم، وبألم كبير؛ لأنه يجوب الطرقات ويركب معه من بلاد الإسلام والعرب كثير من الناس، ويرى في حالهم وسلوكهم ما يفطر قلبه، ويحير عقله، وأخبرني عن قصة واحدة، قال: ركبت معي امرأتان متحجبتان تغطيان وجوههما، لكنني عجبت من المكان الذي تقصدانه، إنهما تطلبان مني أن أوصلهما إلى مكان هو واحد من الملاهي التي يفعل فيها كل أنواع الفسق والفجور، وعند الدخول لم يكن هناك حجاب ولا غطاء، وكان حارس المكان -وهو أجنبي- يضرب على الظهور ويشجع ويرحب ويقدم.
هذه الصور المتناقضة تبين لنا قضية مهمة، لو أننا استطعنا أن نعرف ما هو السر الذي جعل أولئك عاملين فضلاء مهتمين حريصين على دينهم، ولماذا كان هؤلاء غافلين يقومون بمثل هذه الأعمال ولا يكادون يذكرون أمر أمتهم ولا شأن دينهم؛ لو عرفنا الأسباب واستطعنا أن نعالجها لاستطعنا بإذن الله أن نكثر من الجانب الأول، وأن نقلل من الجانب الثاني.
ولعلي أذكر صورة أخيرة قبل أن أمضي إلى التنبيه على ما نحتاج إليه: في البلاد الغربية وفي بعض العواصم الكبرى منها على وجه الخصوص، من أبرز برامج الصيف في تلك العواصم الغربية: الأغاني العربية، يحضرها مغنون يسافرون من بلاد العرب، وجمهورهم من السياح الذين يسافرون أيضاً، فإنه لن يحضر هذه الأغاني من لا يعرف العربية، فتعجب لماذا تغادرون بلادكم وتنفقون أموالكم لتستمعوا إلى المغنين الذين بدياركم؟! لترى كيف تكون العقول والنفوس إذا شردت وبعدت عن طريق الله عز وجل!