للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفراغ فرصة للعمل]

الأمر الأول في المنهج الإسلامي: الفراغ فرصة للعمل: ويخطئ من يظن غير ذلك، أو يعتقد أن الفراغ فرصة للنوم والكسل، ولعلنا نكتفي بالآية التي نتلوها كثيراً ونسمعها في صلواتنا كثيراً، وهي قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨].

وقبل أن أذكر ما ذكره المفسرون من الصحابة والتابعين وغيرهم ندرك جميعاً بمعرفتنا للغة العرب أن المعنى العام: إذا فرغت وانتهيت وصارت عندك فسحة من الوقت وشيء من الراحة فانصب، وكلنا يعلم أن النصب هو التعب، والمقصود به الجد والعمل الذي يجدد مرة أخرى الإنجاز، ويحقق الخير بإذنه سبحانه وتعالى.

ولنستمع أيها الإخوة! إلى القلوب المؤمنة، والأفهام المسلمة، والنفوس الحية، والهمم العالية، كيف فسرت وكيف فقهت هذه الآيات من كتاب الله سبحانه وتعالى: عن ابن مسعود: رضي الله عنه قال: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.

وعن ابن عباس قال: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء.

وأما الحسن وزيد بن أسلم فروي عنهما قولهما: إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب إلى عبادة ربك.

وعن مجاهد إمام التابعين من المفسرين قال: إذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك.

وعن الجنيد قال: إذا فرغت من أمر الخلق فانصب في عبادة الحق.

فهل رأيتم في مجموع هذه الأقوال قولاً يقول: إذا فرغت فنم؟ أو إذا فرغت فاله والعب؟ أو إذا فرغت فضيع الأوقات، وانحر الساعات؟ هل سمعنا شيئاً من ذلك؟ والذي نقلته لكم نقلته من نحو ثمانية أو تسعة تفاسير من أمهات كتب التفسير، ولو رجعتم إلى عشرات أخرى غيرها فلن تظفروا إلا بمثل هذه المعاني الشريفة العظيمة التي ترجمها القاسمي المفسر المتأخر المعاصر، فإنه جعل لها إطاراً واسعاً ومعنىً شاملاً حين قال: إذا فرغت من عمل من أعمالك النافعة لك ولأمتك فانصب إلى عمل وخذ في عمل آخر، واتعب فيه؛ فإن الراحة إنما تكون بعد التعب والنصب.

هذا هو فقه الإيمان، وهذه دلالة القرآن، وهذه نفوس أسلافنا وأفكارهم وعقولهم، وهكذا ينبغي أن نفقه الأسس السليمة، لا أن نسمح للمفاهيم المغلوطة أن تروج، فمع آخر يوم من انتهاء الاختبارات تسمع الطلبة والطالبات وهم يتواعدون بالنوم الطويل، واللعب الكثير، والسهو واللهو والغفلة، ويرون ذلك هو الميدان الصحيح، وهو العمل المطلوب، ليس في يوم أو يومين بل في أشهر معدودات متواليات، وليس هم الذين يقولون ذلك، بل أسرهم وآباؤهم وأمهاتهم يوافقونهم في مثل هذا في الجملة! فهم يرون ألا يكلموهم، وألا يوقظوهم من نومهم وسباتهم، وألا يثربوا عليهم في لهوهم وفراغهم وغير ذلك، بل ليس هؤلاء فحسب، بل المجتمع في مجمله كأنما يقول لهم ذلك، وكأنما يؤكد لهم أن الرسالة المطلوبة هي مثل هذا اللغو واللهو والفراغ غير المجدي.