للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حامل القرآن مقدم على غيره في ميادين الشرف والرفعة]

سادساً: الشرف والرفعة.

حامل القرآن مقدم في أعظم الأمور وأشرفها، حسبك بعد التوحيد الركن الثاني من أركان الإسلام: الصلاة التي يجتمع لها المسلمون في كل يوم خمس مرات، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل)، فهذه الصلاة التي هي أعظم العبادات وأعظم الأركان -بعد الشهادتين-، وأكثرها تكرراً، وقد جاء عن الصحابة والسلف أنهم لم يكونوا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، فهذه الصلاة التي تعلم منزلتها وعظمتها أنت المقدم فيها، والمنتدب للإمامة فيها.

ومن ذلك: أن شهداء أحد لما كان النبي عليه الصلاة والسلام يدفن منهم الاثنين والثلاثة في القبر الواحد كان يسأل إذا أراد أن يجمع بينهم عن أكثرهم حفظاً للقرآن فيقدمه في الدفن، فحتى بعد موتك أنت مقدم يا حامل القرآن.

وفي صحيح مسلم أن عمر رضي الله عنه سأل عامله على أهل مكة، فقال: من خلفت على أهل مكة؟ قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: رجل من الموالي، فقال عمر -كالمتعجب أو المستنكر-: استخلفت عليهم مولى؟! فقال: إنه قارئ لكتاب الله، فقال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم قال: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)، وهذا لا شك أنه من الأمور العظيمة، حتى كان الصحابة يقول أحدهم: كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في أعيننا.

ولقد كان المستشارون في مجلس الخليفة الأعظم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عِلْية القوم وجِلّة الصحابة من قدماء المهاجرين والأنصار، وكان يحضر في هذا المجلس حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه وهو غلام صغير السن، ما أُدخِل في مثل هذا المجلس إلا أنه كان عالماً بكتاب الله عز وجل، ونعلم قصة عمر رضي الله عنه لما سأل في مجلسه عن قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:١] ما تعلمون منها؟ قالوا: بشارة ساقها الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي القوم ابن عباس، فسأل عمر هذا وهذا، ثم التفت إلى ابن عباس وقال: ما عندك فيها يا ترجمان القرآن؟ فيقول: أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نُعي إليه، فيقول عمر: والله ما أعلم منها إلا ما ذكرت يا ابن عباس، وكان بعض الأنصار يقولون لـ عمر: ما لك تدخل بيننا هذا الغلام وفي أبنائنا من هو أسنّ منه؟ فسأله عمر بينهم عن كتاب الله عز وجل ليظهر علمه، ويجلو علو كعبه في مقاله وعلمه بكتاب الله، فيرى حينئذ أين وكيف يكون التقدم والشرف وعلو المنزلة.