[الوقفة السادسة: استعراض مؤلفات ابن القيم في شتى العلوم]
وقفة وجيزة في شأن العلم، نستعرض فيها بعض مؤلفات ابن القيم التي صارت من المؤلفات المشهورة، وسنذكر بعض ما يتعلق بها عندما نتكلم عن الأنوار المقتبسة من منهجه في التأليف.
فقد ألف رحمة الله عليه في الإيمانيات والروحانيات كتباً كثيرة ومن أشهرها وأوسعها وأنفعها "مدارج السالكين شرح منازل السائلين" للهروي.
وألف كذلك "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" وهو في أمر الصبر والشكر، وفيه كلام نفيس في التربويات والإيمانيات.
وألف "روضة المحبين ونزهة المشتاقين" وهو في أمر المحبة الإلهية وما يتفرع عنها من كلامه على أمر المحبة والعشق، وما يتعاطاه الناس من ذلك، وما يذم منه، وما يمدح، ونحو ذلك مما توسع فيه، وهو كتاب من الناحية الأدبية يعتبر في الرتبة العليا الذي صاغ فيه ابن القيم الكلام بأسلوب عجيب فريد، وبسجع قوي غير ملول، وشنفه وطعمه بأبيات شعرية هي من أروع أبيات الشعر العربي في هذا الباب.
وألف أيضاً في الإيمانيات فيما يتعلق بأمور العقائد كتاب "الروح" و"حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح".
وألف في المسائل العلمية المتعلقة بالعقيدة والتوحيد والرد على أهل الكلام، كما كان شيخه؛ لأن العصر في ذلك الوقت كان يقتضي هذا، ولنا وقفة وجيزة ستأتي إن شاء الله عن الفترة والبيئة التي عاش فيها.
ألف "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" وقد أتى فيه بمنطق القوم وبلسانهم وحجتهم، ونقضها على طريقتهم ومنهجهم، ودحضها بالحجج من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت كتبه من عناوينها فيها مدلولات عجيبة، فهذا اسمه "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" وهي المسائل التي خاض فيها الخائضون فاضطربوا وحاروا، وتقلبت قلوبهم وأصبحوا على شوك الشك متقلبين، فهذا الكتاب شفاء لهذا المريض بهذه الشبه والشكوك، ينزعها منه ويدحضها له ويعدمها بالكلية، حتى يطمئن قلبه ويبرأ من علة الشك.
له كتاب آخر "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" وهي صواعق من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطلت حججهم، وأفنت أمرهم، وأحرقت مقالاتهم، والكتاب من عنوانه مطابق لهذه العناوين.
وكذا ألف كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية".
وله النونية المشهورة واسمها "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية" وغير ذلك أيضاً من الكتب.
وأما في شأن الفقه وما يتعلق بمسائله، فله الكتاب البديع الرائع الذي هو "إعلام الموقعين عن رب العالمين" ذكر فيه مسائل وضوابط في الفقه والقضاء والفتيا والتقليد والاجتهاد والتمذهب ونحو ذلك، وأتى فيه بنفائس عظيمة وجليلة ربما تستحق أن تكون مواضيع لدروس عديدة، وقد أفدنا من هذا الكتاب في دروس كثيرة، ومنها على سبيل المثال الدرس الذي كان بعنوان: اللباب في السؤال والجواب.
وألف كتاب: "الطرق الحكمية في طرق الإثبات" وغيرها من الكتب الكثيرة في هذا المجال.
وفي السيرة له الكتاب المشهور المعروف "زاد المعاد في هدي خير العباد" وهذا الكتاب فيه مزايا كثيرة جداً يضيق المقام عن حصرها، لكنه جمع فيه بين ما كان يسمى بكتب الشمائل وما كان يسمى بكتب السير والمغازي، فجمع المنهجين معاً في كتابه، إضافة إلى ما في هذا الكتاب من التحريرات التاريخية، والمسائل الفقهية الدقيقة التي توسع فيها كثيراً في بعض المواضع، فجمع في كتابه هذا بين التاريخ والفقه والسيرة والشمائل، وغير ذلك من العلوم، ومنها تعرضه لعلل بعض الأحاديث، وقد ألف هذا الكتاب أثناء سفره، أي: من غير كتب ولا مراجع، وإنما مما كان يحفظه في رأسه وفي قلبه من هذه النصوص والعلوم، وقد ذكر بعض الباحثين المعاصرين أنه ألف في السفر الكتب التالية: ١ - مفتاح دار السعادة.
٢ - روضة المحبين.
٣ - زاد المعاد.
٤ - بدائع الفوائد.
٥ - تهذيب سنن أبي داود.
هذه الكتب ألفها في حال السفر، ولو نظرت إلى بعضها لرأيت فيها علماً جماً لو عكف عليه الباحثون وتفرغوا له، ربما لم يأتوا بجزء منه، وهذا يدلنا على علمه الواسع.
وتميز ابن القيم بالكتب المتعلقة بالناحية التربوية النفسية، وله في ذلك: "إغاثة اللهفان" و"الجواب الكافي" وغيرهما من الكتب التي تتكلم على أمر الذنوب والمعاصي، وأمراض القلوب وعللها وأدوائها مما هو أيضاً معلوم وواسع.
وقد توسع ابن رجب في ذكر هذه المؤلفات كثيراً، فنحن من خلال هذه الوقفات نؤكد على ما ينبغي أن نستفيده من هذه الترجمة في شقها الأول: ما يتعلق بحال ابن القيم في أخلاقه وخلاله، وفي عبادته وتهجده، وفي علمه ومؤلفاته، وأيضاً في استفادته من شيوخه وتعلمه على أيديهم.
وننتقل الآن إلى الشق الثاني وأحسب أن له أهميةً أكبر من الشق الأول: وهو ما يستفاد من منهج ابن القيم رحمة الله عليه الذي قرره في كتبه، وعرف به في حاله وتقريره للمسائل التي تعرض لها.