إن حمقى اليوم من المغفلين ينظرون إلى مثل هذا الحدث الذي قد يكون له مشابه اليوم فيقولون: إنه ضرب من النزق، وصورة من التهور، ولون من إلقاء النفس إلى التهلكة.
عجباً كيف يكون الاعتزاز بالإيمان والثبات على الإسلام وإظهار العزة والقوة لأعداء الله صورة سلبية مذمومة؟! وعجباً لنا عندما لا نتأمل في واقع الأمر وفي معاني الآيات على فقه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
حديث عظيم رواه الترمذي بسند حسن تعليقاً على قول الله جل وعلا:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:١٩٥]، يرويه صحابي جليل من أعظم الصحابة المجاهدين الذين امتدت قبورهم حتى وصلت إلى آخر بقاع الأرض لتعلن عزة الإيمان وقوة الجهاد، يقول:(كنا في الصف في قتال الروم، وخرج من المسلمين رجل فحمل على الروم حملة، فقال بعض الناس: ألقى بنفسه إلى التهلكة -فنطق الصحابي الجليل الذي تربى في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، وأخبر خبر اليقين، وبين البيان الشافي الذي ليس بعده بيان- فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهدنا معه، حتى إذا نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم رجعنا إلى أهلنا وديارنا وزرعنا؛ فنزل قوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، فكانت التهلكة رجوعنا إلى ديارنا، وإقامتنا في زرعنا، وتركنا الجهاد).
ذلك هو الفقه الإيماني الثابت عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك ننظر إلى غزوة أحد في شقها الأخير، وفي جانبها الذي قد يكون هو المظلم، لننظر إلى عظمة القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم وهو يعلي من القوة المعنوية، ويعلي من العزة الإيمانية في الرد على أبي سفيان، وفي التضرع إلى الله، وفي الخروج العملي الذي يظهر القوة والهيبة الإيمانية.
كم نحن في حاجة -معاشر المؤمنين جميعاً في كل بقاع الأرض- إلى أن ننزع من نفوسنا حب الدنيا وكراهية الموت، وأن ننزع من نفوسنا الضعف والاستعظام لقوة الأعداء، فإنهم أرذل وأحقر من أن يقارنوا بشيء أمام قوة ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض سبحانه وتعالى الذي قال:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨]، والذي قال: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، والذي قال:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}[النور:٥٥].
تلك هي آيات الله، وتلك هي سنن الله، وتلك هي وعود الله، ونحن لسنا في شك من ديننا، ولا من وعد ربنا، فاللهم اجعل لنا من بعد العسر يسراً، واجعل لنا من بعد الهزيمة نصراً، واجعل لنا من بعد الكرب تفريجاً يا رب العالمين! أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.