[لا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم، ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن لفت النظر والعناية بالاختراق الثقافي والسلوكي والاجتماعي أمر مهم في غاية الأهمية؛ لأنه من العجيب جداً أن نسمع هذه الأخبار، وأن نعرف هذه الوقائع، في الوقت نفسه الذي نستمع ونرى بأعيننا كيف تدمر البيوت فوق رءوس أصحابها في أرض الإسراء، وكيف تخترق الجثث بصواريخ الطائرات، وكيف يقع الكثير والكثير من المآسي والحرائق والتدمير في أرض العراق المحروقة، فمدارسها مغلقة، وجامعاتها معطلة، وأمنها مفقود، أين هذا كله من الذين يصوتون للغناء، أو يترقبون مباريات الكرة، أو ينشغلون بألعاب الكمبيوتر أو غير ذلك، أين هذا من دماء تسيل، وأرواح تزهق، وكرامة تمرغ في التراب، وسيادة تداس بالأقدام، وأمة كأنما لا ذكر ولا وجود ولا حياة لها؟! ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود أين أمة الألف مليون؟! أين أمة العرب التي تجري الأحداث لا نقول بعيداً عنها ولا نقول في عقر دارها، بل في كل شبر من أرضها، وفي كل ذرة من هوائها، وفي كل مرحلة وحركة وسكنة من تفاعلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؟ احسبوا الملايين التي تصرف في هذه المجالات، احسبوا الأوقات والجهود التي تصرف في هذه الميادين، أين تقدم العلم؟ أين تطور التقنية؟ أين وأين وأين مما نحن في أمس الحاجة إليه؟! ثم بعد ذلك يراد للأمة ألا تعرف تاريخها، وألا تدرس دينها، وألا تكون بصيرة بواقعها، وأن يكون شغلها الشاغل هو ما تبثه تلك القنوات أو ما تروجه تلك الوسائل الإعلامية.
إنها قضية خطيرة، ومسألة أخرى لا أود أن أنهي حديثي هذا وأنا قد وضعتكم في أجواء قد يكون فيها شيء من الإخافة، أو بث روح اليأس، لكنني أجد أن ما نحتاج إليه سيحتاج حديثاً أوسع، إن عزة الأمة وكرامتها، وإن الأمثلة المشرقة المضيئة فيها، وإن المعنيين بهمها، وإن القائمين بواجبهم في مواجهة أعدائها لا يزالون كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).
اختر لنفسك أخي أن تكون في هذه الزمرة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السنن الماضية بقاؤها مستمسكة بكتاب ربها، مهتدية بهدي رسولها صلى الله عليه وسلم، رافعة لراية أمتها، ناشرة لبنود وأعلام دينها، ولا تكن كالذي يسير وراء أولئك المغررين من الأعداء أو الأصدقاء، الذين أماتوا في شبابنا وفي مجتمعاتنا من خلال هذه الوسائل كل روح من روح القوة أو المقاومة أو الغيرة، أو حتى الشرف والعزة والنخوة ونحو ذلك، وهناك الصور المشرقة رغم كل الظروف الصعبة والقاسية والشديدة في ميادين المواجهة التي نرى، ورغم كل هذه المآسي في أرض الإسراء، وكم نعجب من تلك المواقف التي نطأطئ رءوسنا خجلاً أمام عظمتها، وتذرف دموعنا حقيقة، وليس تعبيراً أمام كبريائها، وعزة إيمانها، وشموخ إسلامها، وعظمة قوتها، رغم أنها خلو من أسباب القوة المادية.
رجل كلكم شاهدتموه قصف بيته حتى لم يبق فيه شيء قائم على شيء، واستشهد ابنه الذي كان مقرراً أن يكون عرسه بعد ثلاثة أيام، ومعه زوجته، وعندما يسأل عن شعوره يقول: ليس ابني أغلى من أبناء فلسطين، وليست الزوجة أغلى من نساء فلسطين، كل من يقتل من الأولاد من الذكور فهم أولادي، ومن الإناث فهم أخواتي أو أمهاتي، ولا ترى إلا قوة إيمان، وشموخ إسلام، ووضوح رؤية، ليس هناك نوع من ذلة المفاوضات السياسية، ولا أنانية المصالح الشخصية، ولا غير ذلك من المآسي المخزية الفاضحة التي جعلت سمعة القوم في أسوأ صورها وأسود حالاتها.
ولعلنا نفتح من هذه الصفحات المشرقة ما هو جدير بأن يحيي في نفوسنا الأمل، ويدعونا إلى أن نكون في خندق المواجهة، ليست المعركة اليوم في العراق، وليست في فلسطين، إنها في كل بيت، وفي كل دار، وفي كل بلد إسلامي وعربي لا يستثنى من ذلك شيء، بل بعضها أكثر من بعض، والتفاوت في الحجم والكثرة لا أقل ولا أكثر، فوطنوا أنفسكم على أن تعتزوا بإيمانكم، وتلتزموا بإسلامكم، وتكونوا على بينة من أمركم، ومعرفة لحقائق أعدائكم، واستعداداً لمواجهة هذه الهجمات الشرسة.
نسأل الله عز وجل أن يرد عنا كيد الكائدين، وأن يدفع عنا شرور المعتدين، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يحفظ أعراضهم وأموالهم، وأن يتقبل في الشهداء موتاهم.
نسألك اللهم يا ربنا أن تهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن تمكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، وأن تقمع أهل الزيغ والفساد، وأن ترفع في الأمة علم الجهاد.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وردنا إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب.
اللهم احفظ شبابنا وشاباتنا من زيغ الفكر وانحراف السلوك، اللهم احفظ أبناءنا وأزواجنا وذرياتنا من كل سوء ومكروه يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وأصلح أحوالنا، ورخص أقواتنا.
اللهم إنا نسألك أن تنزل علينا الخيرات، وأن تفيض علينا البركات، وأن تمحو وتكفر عنا السيئات، وأن تقيل لنا العثرات، وأن تضاعف لنا الحسنات، وأن ترفع لنا الدرجات، وأن تبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا رب الأرض والسماوات! اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك يا سميع الدعاء! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل الدائرة تستوي عليه، وأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، ورد كيده في نحره.
اللهم إنا نسألك أن تنزل سخطك ورجزك وغضبك على أعداء الإسلام والمسلمين، أحصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، زلزل الأرض من تحت أقدامهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم لطفك ورحمتك بإخواننا المسلمين المضطهدين والمعذبين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، اللهم زد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل لنا ولهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين، وأصلح اللهم أئمتنا، وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء! اللهم ثبت وأعن وانصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبت أقدامهم في مواجهة المعتدين، اللهم زدهم إيماناً، وقوة وشموخاً، وعزة ونصراً، وعزاً وتمكيناً يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من جندك المجاهدين، ومن عبادك المخلصين، ومن ورثة جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام وخصوا منهم أهل القدر العلي والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].