[دروس الهجرة وواقعنا المعاصر]
إن الهجرة تأكيد للزوم الثبات على الدين، وإعلان لإظهار أولوية الدين في حياة المسلمين, وبيان أن التضحية تكون بكل شيء لأجل إعلاء الدين، إذا فقهنا ذلك ونحن ننظر إلى واقعنا اليوم فماذا نرى فيه؟! نرى عجزاً عربياً، ووهناً إسلامياً، وخزياً سياسياً، وصورة مشوهة، وحقائق الإسلام غائبة، ومرتكزات العقيدة واهية، ولذلك نرى ما نرى من هذه العجائب والغرائب ونحن نعرف ونسمع أن هذه القوات الباغية الغازية الظالمة العادية قد أعلنت بما ذكرته بألسنتها أنها حرب صليبية، وأيدت وأكدت أنها تريد أن تكون لها الهيمنة العسكرية السياسية، وأظهرت أنها تريد أن تستولي على الموارد الاقتصادية، وبينت أنها تريد أن تهيمن على ما وراء ذلك من الأوضاع الاجتماعية والمناهج التعليمية والنظم السياسية والأوضاع كلها، وبعد ذلك نقول ما نقول، ونسمع ما نسمع من هذه العجائب التي لا شك أن فيها معارضة يقينية ظاهرة واضحة لثوابت الإيمان والإسلام، ولحقائق آيات القرآن، ولمعالم حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة.
ولذلك نقول: إن الكفر وأهله أهل بغي وعدوان، فليس لهم في قلب مؤمن محبة ولا موالاة، وليس لهم في عمل مسلم نصرة ولا محاباة، وإلا أنكر ذلك الإيمان في قلبه، أو نقض الإسلام في حقيقته؛ لأن هذا نطقت به الآيات، وظهرت به حقائق الإسلام جلية واضحة.
ثم من بعد ذلك نرى ما نرى من دروس الهجرة في هذا التلاحم الإيماني والتناصر الإسلامي والأخوة التي نصت عليها آيات القرآن، ونرى من وراء ذلك أن يكون الدين هو رائدنا وغايتنا الأولى، فمن كان مستمسكاً به ورافعاً له حقاً لا كذباً، وصدقاً لا ادعاءًَ، وواقعاً لا زوراً كان من أهل الدين مع أهل الدين، وكان من أهل النصر لأهل اليقين بإذن الله عز وجل، ولذلك ينبغي لنا أن نكون على بصيرة من أمرنا، وعلى بينة من حقائق ديننا، وأن نعتصم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر في أقوال الأئمة من العلماء الصادقين الذين كانوا أهل إيمان ويقين قبل أن يكونوا أهل فقه في الدين.
ومن بعد ذلك نتواصى بالثبات على ذلك، ونتناصر ونتعاهد على البقاء عليه، وعلى إشاعته فيما بيننا، وأن نلجأ إلى الله ونعتصم به، ونتضرع إليه، ونبتهل ونذل بين يديه، وكذلك نترك المعاصي والمحرمات، ونبتعد عن المنكرات والمخالفات، ولعل ذلك كله في جملته هو من درس الهجرة، فإن الهجرة هي كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح عنه حيث قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) وإنما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ليقيم شعائر الدين، وليجد الأرض التي يعلي فيها راية الله سبحانه وتعالى، وعندما لم يجد ذلك في مكة التمسه في الطائف فلم يجده، وذهب أصحابه إلى الحبشة فلم يثبت دينهم، حتى يسر الله له هجرته المباركة، فأقام دولة الإسلام، وأنشأ وأقام العزة الإيمانية والوحدة الإسلامية، ثم جاءت هيبة هذا الدين وقوته، وظهرت من بعد ذلك -أيضاً- سماحته ورحمته بالأمم، فإن الإسلام كان أرحم بكل الأمم من أديانها ومن حكامها، وكذبوا وخدعوا عندما يقولون غير ذلك.
نسأل الله أن يردنا إلى ديننا رداً جميلاً، وأن يجعلنا بكتابه مستمسكين، وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم مستعصمين، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا لآثار السلف الصالح مقتفين.
اللهم! لا تغير علينا ديننا, ولا تسلب منا إيماننا، اللهم! لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
اللهم! إنا نسألك الثبات على الدين، والاستمساك بالحق، والعصمة من الفتنة يا رب العالمين.
اللهم! اجعلنا سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، اللهم! اجعل في قلوبنا محبة المؤمنين ونصرتهم يا رب العالمين، وازرع في قلوبنا بغض الكافرين والبراءة منهم يا رب العالمين.
اللهم! إنا نسألك أن تجعلنا أوثق بما عندك مما في أيدينا، واجعلنا -اللهم- أفقر الفقراء إليك وأغنى الأغنياء بك، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجة برحمتك يا رب العالمين.
اللهم! لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، ولا تجعل من المؤمنين للكافرين ظهيراً يا رب العالمين.
اللهم! ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، وأعنا -اللهم- على طاعتك ومرضاتك، ووفقنا للصالحات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر -اللهم- لنا ما مضى وما هو آت، واجعل آخر كلامنا من الدنيا (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، وتوفنا عليها وابعثنا عليها يا رب العالمين.
اللهم! إنا نسألك لأمة الإسلام والمسلمين وحدة من بعد فرقة، وعزة من بعد ذلة، وأمناً من بعد خوف يا رب العالمين.
اللهم! رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والأسرى والمسجونين والمحاصرين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم! امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله -اللهم- فتنة لهم في الدين.
اللهم! انصر عبادك وجندك المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء رايتك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم وحد كلمتهم، اللهم! ارفع رايتهم، اللهم! قو شوكتهم، اللهم! سدد رميتهم، اللهم! أفرغ في قلوبهم الصبر واليقين، وثبتهم في مواجهة المعتدين، اللهم! أنزل عليهم نصرك المبين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين.
اللهم! عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم! عليك بالبغاة الطغاة، اللهم! عليك بالمعتدين الغاصبين، اللهم! اقذف الرعب في قلوبهم، واجعل الخلل في صفوفهم، ورد كيدهم في نحرهم، واشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم! رد كيد الكائدين، وادفع شرور المعتدين، وسلم ديار المسلمين، واحقن دماءهم، واحفظ أعراضهم يا رب العالمين، اللهم! اكشف البلاء عن الأمة، وارفع -اللهم- الغمة يا رب العالمين، اللهم! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ومكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، وانشر رحمتك على العباد برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم! اجعل بلدنا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، وأصلح -اللهم- أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبعك رضاك يا رب العالمين، اللهم! وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وارزقه بطانة صالحة تدله على الخير وتحثه عليه يا سميع الدعاء.
اللهم! ارحمنا برحمتك، وتولنا برعايتك، وأحسن خاتمتنا وعاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة يا رب العالمين.
وصل اللهم وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.