انظر إلى مواقف أخرى حتى ندرك ما يحل بواقعنا الإسلامي اليوم، فهذا أبو عزة عمرو بن عبد الله الجمحي أحد من أسروا في يوم بدر من الكفار، وكان فقيراً ذا عيال وحاجة، رق له قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يفيض رحمة، ونفسه التي تجود كرماً، فمن عليه بالفداء والعتق دون مال ودون شرط، ورده إلى أهل مكة سالماً غانماً من غير ما شيء، فأي شيء فعل هذا الرجل؟ لا شك أن إحسان النبي صلى الله عليه وسلم قد أثر في نفسه، ولا شك أن هذه المعاملة الإسلامية العظيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلت سخيمة قلبه وشحناء نفسه، فجاءه صفوان بن أمية وقال له: يا أبا عزة! إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك.
استغلال لطاقات الكفر كلها، للطاقات الإعلامية والسياسية والقتالية وكل قوة أو قدرة يمكن أن تكون موجهة ضد الإسلام والمسلمين.
إنك امرؤ شاعر فأعنا بلسانك، واخرج معنا لتكون محارباً بلسانك لا بسنانك، فقال أبو عزة: إن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مَنَّ عليَّ فلا أريد أن أظاهر عليه.
كان هذا هو الموقف المتوقع من أبي عزة، فقال له صفوان: أعنا بنفسك فلله عليَّ إن رجعت -أي: سالماً- أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر.
تأجيج وإغراء وتثبيت لأهل الكفر ليكونوا في مواجهة واحدة ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المسلمين، فهذا رجل واحد لم يتركوه، كان واقفاً على الحياد فأتوا ليحرفوه، كان متردداً فدفعوه، وخامداً فحمسوه وشجعوه، ثم تعهدوا وتكفلوا له بأمور المادة والحياة الدنيوية:(فلله علي إن رجعت أن أغنيك، وإن أصبت أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر) كذا قال صفوان بن أمية رضي الله عنه، وهو في ذلك الوقت على كفره وشركه.
حتى هذا الرجل الواحد الذي ليس عنده من سلاح غير لسانه وشعره دعي إلى ذلك، فلما قيل له ذلك تزعزع عن موقفه، وتحرك ليكون حربة موجهة للإسلام والمسلمين، وليكون قوة تضاف إلى قوة أهل الكفر ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام، فتحرك وانطلق في تهامة يدعو بني كنانة ليكونوا مع قريش ضد رسول الله عليه الصلاة والسلام.