روى ابن هشام وغيره من أصحاب السير بدايات نشوء التوجه لغزو المسلمين من قبل الكافرين في أحد.
قال ابن هشام: مشى عبد الله بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية في رجال من قريش ممن أصيب آباؤهم وإخوانهم يوم بدر؛ فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، فلعلنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منا.
ففعلوا ذلك.
إنها الدعوة والتحريض، والإثارة والتهييج، وإذكاء نار العداوة في القلوب، وإشعال جمر الغضب على أمة الإسلام، وزرع الخوف من المسلمين لأنهم الخطر الداهم والعدو الغاشم حتى تتوحد الصفوف في العداء نحوهم، وتتوجه القوى المادية والمعنوية بالكيد لهم، هكذا صنع صفوان وعكرمة وغيرهما ممن مَنَّ الله عز وجل عليهم بعد ذلك بالإسلام وصاروا من خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الصورة الحية المتحركة تبين لنا كيف يعمل أهل الكفر في صفوفهم ويأزون أصحابهم أزاً، ويدفعونهم دفعاً، ويستخرجون منهم العون والتأييد المادي والمعنوي، فإذا بهم يجوبون الآفاق، كما يقع اليوم في هذه الدنيا التي نرى فيها تكالب أعداء المسلمين على هذه الأمة المستضعفة في شرق الأرض وغربها.
فكم من دور لمثل ما وقع من عكرمة وصفوان وعبد الله بن أبي ربيعة وغيرهم يقع اليوم في التأليب على أمة الإسلام والمسلمين، وعلى مجتمعات المسلمين في كثير من بقاع الإسلام:{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}[ص:٦]، انطلاق، ومشي، وسعي، وحركة، وتأليب، وعرض، وتقليب للحقائق، وتزوير للصورة، وتشويه لأمة الإسلام حتى ينشأ العداء في القلوب، وتتوجه القوى لحرب أمة الإسلام.
قال ابن إسحاق رحمه الله: ففيهم -أي: هؤلاء- كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل الله جل وعلا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}[الأنفال:٣٦].
هؤلاء قد ذكر الله عز وجل شأنهم بصيغة الفعل المضارع الذي يدل على تجدد فعلهم وتكرره في كل زمان، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: بأية ملة كانت غير ملة الإسلام كفروا بالله عز وجل، وكفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، (إن الذين كفروا) بهذا الوصف المطلق العام الشامل {يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} أي: في كل زمان ومكان وموقف، لماذا؟ {لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، ويحولوا بين الناس وبين الإسلام.
ثم يخبر الله عز وجل عن العاقبة التي ينبغي أن نوقن بها، ولكن ينبغي أيضاً أن نعمل لتحقيقها {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}، وكم نرى من إنفاق الأموال وتدبير الخطط، واستغلال العقول والأفكار الخبيثة والمكر والدهاء الخبيث لكي تقع الدائرة على أمة الإسلام والمسلمين؟