الحمد لله الكبير المتعال، ذي العزة والجلال، الموصوف بصفات الكمال، المنزه عن كل نقص وإخلال، منه المبتدأ وإليه المرجع والمآل، له الحمد كما يحب ويرضى، حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين.
وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢].
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! الأم المربية مصدر قوة مؤثرة، ومكمن تغيير عظيم، ومصنع تربية للأجيال.
الأم المربية في واقع أمتنا الإسلامية اليوم قضية مهمة، وجودها على الصورة المنشودة والمنهج المطلوب يعد مفتاح التغيير الإيجابي المنشود، إن أهمية الأم المربية لا تقل بل ربما تزيد عن أهمية الجيوش العسكرية المدججة بالسلاح، وأهمية إصلاح مناهج التعليم، وتهذيب وسائل الإعلام؛ لأن قوتها التأثيرية تستطيع أن تواجه كل ذلك، وتستطيع بإذن الله سبحانه وتعالى أن تنتصر على كل ذلك إن كان مناوئاً لدينها وإسلامها.
وديننا العظيم، ومنهجنا الإسلامي القويم أعطى لهذه المهمة أولوية عظمى، ووفر لها جميع الأسباب التي تعين على حسن أدائها واستمرار رسالتها، ودوام عطائها، لتكون المجتمعات مجتمعات إيمان وإسلام من قعر البيوت من ثدي الأمهات من رحم المنجبات، ليخرج حينئذ الجيل المؤمن في قلبه ويقينه، ولتخرج الأيدي المتوضئة، والجباه الساجدة، تواجه كل فساد وانحراف يمكن أن تعج به المجتمعات.