لما تجمل القوم بلباس الحياء صحت لهم تلك الأخلاقيات، ولذلك لم يكن الحياء والأمر به في شريعة الإسلام وفي هدي محمد صلى الله عليه وسلم فحسب، بل أخبرنا عليه الصلاة والسلام بأن هذه الخصلة هي قرينة الإيمان، وكما أن الإيمان منذ أن خلق الله آدم وأتبعه بالرسل والأنبياء، فكذلك الحياء باق ممتد على مدى التاريخ، منذ أن وجد التوحيد والإيمان، ومنذ أن أنزلت الكتب وأقرت الشرائع؛ ولذلك كان أمراً ممتداً عبر تاريخ البشرية كلها في أوامر الله وشرائعه، كما صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وأصح التفسيرات وأرجحها عند العلماء أن من فقد الحياء فإنه حينئذ لا يكون عنده عاصم من اقتراف المعاصي وارتكاب المحرمات، ومن التجرد من كل معنى من معاني الخلق والفضيلة، بل حقيقة الأمر أن الذي يفقد الحياء يقتل فطرته ويتجرد من اللباس والزينة، ويبدو الإنسان منه عارياً، فإذا نزع الحياء فإن العورة تبدو وتنكشف، وإن الزينة والستر والتجمل يذهب إلى غير رجعة، ولذلك: يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء أي: يبقى العود في الشجرة ما بقي الغطاء الذي يغطيه ويستره، والذي يزينه ويجمله، ولذلك يصدق قول القائل: إذا عدم الحياء بأرض قوم فكبر أربعاً وقل السلام فإنه إذا نزع الحياء فقد ضعف الإيمان في قلوبهم، وماتت الغيرة في نفوسهم، وانعدمت الفضيلة من قواميسهم، وأصبحوا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.