[دعوة إلى المحافظة على خصائص بلاد الحرمين الشريفين]
إن بلاد الحرمين الشريفين لها خصائص عظيمة هذه الخصائص متعلقة بوجود الحرمين الشريفين ووجود هذه الفريضة، هل يحج الناس إلى مكان آخر؟ فهل يحج المسلمون إلى بلد آخر؟ هل يقصدون موطناً آخر؟ هل في الدنيا كعبة غير التي في مكة؟ وهل هناك مثوىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير الذي في المدينة؟ وهل هناك بلاد من بلاد الإسلام ينبغي أن تكون أعظم صورة وأقرب صورة إلى الامتثال الكامل للإسلام من هذه البلاد؟ إن الناس قد فقدوا ذلك في بعض بلاد الإسلام والمسلمين، وكلنا يعلم ذلك، بل إن من بلاد المسلمين بلاداً فيها أحسن وأشهر مصانع الخمور في العالم، وإن من بلاد الإسلام بلاداً فيها تصاريح رسمية للبغاء والفسق والفجور، وتدفع فيها الضرائب للدولة، وإن في بلاد الإسلام والعرب بلاداً تمنع الحجاب للمرأة المسلمة في المدارس والمعاهد والكليات، بل في الشوارع والطرقات، أفليس من حق المسلمين على أقل تقدير أن يجدوا بلاداً هي موطن الإسلام طاهرةً خالصةً من تلك الأرجاس والأنجاس؟ أفليس هذا أمراً بدهياً؟ أفلا ترى معقل النصرانية في الفاتيكان خالصاً لها ولنوع الكنيسة التي تتبناها لا يشاركها فيها غيرها؟ وغير ذلك كثير.
إننا -ونحن نتحدث عن هذه الأيام العظيمة، وعن هذه المناسك الجليلة- لا شك نشعر أنه حديث مؤلم محزن، فهذه المزايا العظيمة وهذه الخصائص المهمة التي هي مهوى أفئدة قلوب المسلمين من القادمين المرتحلين حجاجاً ومعتمرين، ومن المقيمين الذين - وإن ضاقت معايشهم وإن تعسرت أحوالهم- لا يزالون مرابطين يريدون أن يتنفسوا -كما قلت- هواءً نقياً، يريدون أن يروا كلمة الإسلام العالية.
وليس حديثنا حديث مزايدة ورفع أصوات، وليس حديث مبالغة وتهويل، بل هو الأمر الحقيقي الذي إن لم ندرك خطورته يوشك أن نعض أصابع الندم في وقت لا ينفع فيه الندم، أفتبقى بلاد الإسلام الوحيدة على ما فيها من خير عظيم هدفاً لنقض هذا الخير ولنزع هذه الخصوصية، وللنداء المتكرر بأنه لا ينبغي لها أن تكون شاذةً عن العالم كله، ولا أن تكون مقيدةً -كما يزعمون- بهذه الأحكام الشرعية، وكلنا سمع الأنباء والأخبار التي تعلقت بشأن المرأة وحجابها ومشاركتها واختلاطها، وأهميتها -كما يقولون- في التنمية وغير ذلك.
وكلنا عرف بعض هذه الأمور التي أرادوا منها -كما يصرح أصحابها- أن ينقضوا تلك الخصوصية، وأن يخترقوا تلك المعاقل المحصنة بحصون الإسلام المتينة، حتى وقع ما وقع من أمور فيها إظهار للمخالفة السافرة لهذه الأحكام الشرعية الظاهرة، ليس في دائرة ما قد يكون مختلفاً فيه عند الفقهاء اختلافاً معتبراً، بل فيما هو مجمع عليه أنه محرم ولا شك في حرمته من السفور بظهور الشعور وغيرها، ولذلك هذه المسائل ربما يقال: إن الوقوف عندها إنما هو مبالغة ليست في محلها.
ولكني أقف قبل أن أسترسل وقفةً مع غيظة إيمانية نحمد الله عز وجل على بقائها ونسأله دوامها، وهي فيما كان من موقف المفتي العام الذي نبه وأنكر وشدد وحذر من الانفلات الذي يراد أن يمرر بسياسة الأمر الواقع في شأن المرأة المسلمة ونزع حجابها وإقرار اختلاطها، وزعمهم أن ذلك ليس فيه شيء من معارضة الإسلام، وكان مما ذكره حفظه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا أمرٌ يتعلق بحديثنا هذا، حيث قال: وإني إذ أنكر هذا الأمر أشد الإنكار وأبين حرمته وأحذر من عواقبه الوخيمة ليزداد ألمي من صدور مثل هذا التصرف المشين في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية التي دأب ولاة الأمر فيها على القيام بالشرع لا يخافون في الله لومة لائم، وعلى حمل الرعية على ذلك، وهم -ولله الحمد- لا يزالون يسيرون على هذا الطريق المستقيم.
ثم يستشهد بكلمة للملك الراحل عبد العزيز يقول فيها: أقبح ما هنالك من الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها.
ويزيد المفتي العام كلمة رائعة من كلام ابن القيم ينقلها، وهي قوله: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة.