[مقدمة عن حال الأمة الإسلامية وواجب المسلمين نحوها]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! أما بعد: فهذا هو الدرس الرابع والعشرون من هذه السلسلة من الدروس، وهو اليوم بعنوان: أوضاع المسلمين والموازين الدولية.
ويأتي هذا الدرس ربما في وقت يتزامن ويتناسب مع كثير من المستجدات والأحداث، التي تحيط بأمة الإسلام في كثير من ديارها وعلى كثير من أبنائها، والذي يلحظ الواقع المعاصر يرى أنه في خلال الأعوام القريبة القليلة الماضية علا صوت الشرعية الدولية، ولزوم احترام القوانين الدولية، ومراعاة مشاعر الأسرة الدولية، ونحو ذلك من المقالات التي تعود في جوهرها إلى لزوم مراعاة هذه الموازين والقوانين التي ترتبط بالأمم المتحدة وفروعها ولجانها ومجالسها.
والذي يتأمل بصورة سريعة يجد أن أوضاع المسلمين على وجه الخصوص، أعني الأوضاع المأساوية التي يصب فيها على المسلمين كل أنواع الأذى والعسف والظلم، نجد أن هذه الموازين إما أنها لا تفي بالغرض الذي يحقق العدالة أو يدفع الأذى، وهذا في كثير من صورها وأحوالها، وأما أنها تحيف وتميل وتكيل بمكيالين، سيما إذا كان الأمر يتعلق بالمسلمين.
وإما على أحسن الأحوال والظروف أنها تكون قرارات وأموراً لا تعدو أن تتجاوز الخطب أو القرارات المطبوعة والمكتوبة التي لا تغير في الواقع شيئاً، وفي حقيقة الأمر ربما لا تساوي المداد الذي كتبت به؛ لأنه ليس لها قيمة تأثيرية تغييرية في الواقع.
وأحوال المسلمين المضطهدين أكثر من أن يحيط بها درس أو محاضرة، بل إن كل قضية من قضايا المسلمين لا تكفيها دروس ولا محاضرات، وحال المسلمين مقارنة بغيرهم في الجملة ربما يعبر عنه قول الشاعر: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر وهذا الذي نراه في واقع الأمر إذا قتل فرد من أمة نصرانية أو يهودية، أو من دولة شرقية أو غربية تقوم له الدنيا ولا تقعد، وإبادة شعوب الإسلام هنا وهناك مسألة فيها نظر، تحتاج إلى التداول وإلى القرارات وإلى غير ذلك من الأمور، وحال المسلمين بالنسبة لكثير من دولهم أيضاً يصح فيها قول شاعر العرب: ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود إذ لا يلحظ لهم قوة أو قدرة فاعلة، ولو ضمن هذه الموازين والمقررات الدولية التي يراد لها أن تكون مهيمنة وحاكمة على العالم، والمتأمل أيضاً يجد أن أوضاع الديانات والعرقيات والمبادئ الأخرى غير الإسلامية تشهد نشاطاً عند الملمات والمهمات، وهذا النشاط له دور فاعل تأثيري لا ينتظر المداولات، ولا يستجيب في الغالب للقرارات، بل يجعل لغة العمل والتغيير الواقعي هي اللغة المسموعة، ولذلك في غالب الأحوال يحظى هؤلاء بحوزة حقوقهم، وتكون لهم صورة من الهيبة والاحترام، بعكس من ينتظر الاستجابة للقرارات أو الوصول إلى الحلول وغير ذلك من الأمور، وكما قال الشاعر: كل الشعوب على الطريق توحدت وشعوبنا لما تزل أشياعا كم نستكين إلى الهوان وليتنا نشكو المهانة أو نحس صداعا كل الشعوب تنام ملء جفونها والسقف فوق شعوبنا يتداعى كل الشعوب إلى الشواطئ أبحرت هل يملك الشعب القتيل ذراعا حال الأمة في الحقيقة لا نذكرها تأييساً للأمة وفتاً في العضد وقتلاً لبوادر وبوارق الأمل، وإنما فائدتها على العكس من ذلك أنها توضح الصورة، وتكرس الولاء للإسلام، وتبدي الحاجة الشديدة الملحة لوحدة أمة المسلمين، وتناصر شعوب الإسلام فيما بينها، وأن يكون المسلمون -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- يداً على من سواهم، وأنه يسعى بذمتهم أدناهم، وكما قال عليه الصلاة والسلام:(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، أما التبلد والسلبية والبقاء والانحصار في دائرة الأنانية، وعدم التفاعل والارتباط بأمة الإسلام والمسلمين في شرق الأرض وغربها، فهو دلالة على ضعف الإيمان، وعدم وضوح الرؤية والعلم بهذا الدين، بل هو في كثير من الصور وللأسف ربما يمثل صورة من قول الله سبحانه وتعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}[البقرة:٨٥]، وينبغي أن يتخلى المسلمون عن هذه الصورة، ولا يكون حالهم كقول القائل: يموت المسلمون ولا نبالي ونهرف بالمكارم والخصال ونحيا العمر أوتاراً وهزلاً ونحيي العمر في قيل وقال لماذا كل طائفة أغاثت بنيها غيركم أهل الهلال ترى الصلبان قد نفرت وهبت يهود بالدواء وبالغلال هبوهم بعض سائمة البراري هبوبهم بعض سابلة النمال هبوهم أي: هبوا إخوانكم المسلمين.