[صرخات ضد واقع المجتمع الإسلامي]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! أما بعد: فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى الشعور بمآسي المسلمين، والدعاء لهم، والاستنصار لهم، وبذل العون الممكن لهم بكل سبب ووسيلة مستطاعة.
وإن هذه المأساة الإسلامية -الماثلة أمام العيان- لتهز قلب كل مؤمن، وتثير الحمية في نفس كل مسلم، وتبصر كل عقل كان مخدراً أو غافلاً، وتنبه كل إنسان كان ساكناً راكداً، أنه لابد له أن يدرك أن الحرب دائرة على الإسلام والمسلمين، وأن أولئك المسلمين في البوسنة الذين لم يكن يظهر عليهم سيماء الالتزام، ولم يكن يظهر عندهم ما يسمى -كما يقولون- بالتطرف والإرهاب، ومع ذلك ومع كونهم بيض البشرة وزرق العيون، ومع كون نسائهم شقراوات وحمراوات مثل الأوروبيين إلا أن عندهم علة واحدة هي التي أورثتهم هذا العناء الرهيب، تلك العلة أنهم مسلمون، وهذا الإسلام وإن كان عندهم اسماً فحسب أو عند بعضهم فإنه كاف لأن تكون التهمة التي من أجلها تستخدم معهم صنوف العذاب من أجل الإبادة، ولذلك تنادي سراييفو: سراييفو تقول لكم ثيابي ممزقة وجدراني ثقوب وأوردتي تقطع لا لأني جنيت ولا لأني لا أتوب ولكني رفعت شعار دين يضيق بصدق مبدئه الكذوب هذه هي الصورة الواضحة للمواقف في هذه القضية، وإخواننا هناك بحمد الله عز وجل -رغم ما يعانون- قد أفرغ الله عليهم صبراً عجيباً، ورضاً بقضائه وقدره، وهم ثابتون رغم المعاناة والمقاساة، ورغم الهجمة الشرسة، والمؤامرة الرهيبة، والأعداء المتكالبين، وكثير من الأصدقاء المتخاذلين، رغم ذلك كله يقفون ويسألون الله عز وجل -ونسأل الله معهم- أن يثبتهم، وأن يفرج همهم، وأن يفرج كربهم.
وبقي أن أصرخ من هذا المقام صرختين لكثير من الممارسات الواقعة في مجتمعنا، والتي لا تتفق مع ما ينبغي أن يكون في قلوبنا ونفوسنا وأعمالنا تجاه مثل هذه المآسي التي تحل بإخواننا: صرخة ضد الإسراف والبذخ والتبذير الذي يقع في الأموال والأطعمة والأشربة، ونحن نعلم أن إخوة لنا يموتون هناك جوعاً، فلا أقل من أن نشاركهم في هذا، هذه الأفراح التي تتوالى في أوقاتنا في كل ليلة وفي أكثر من مكان، ثم نرى فيها صوراً من التباهي والمباهاة والإسراف الذي ذمه الله عز وجل، وقد قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:٢٧]، والله سبحانه وتعالى قد بين أنه لا يحب المسرفين، ثم هذه الأطعمة والنعم التي لا نقدر قدرها نخشى والله أن يحرمنا الله عز وجل منها! ثم ألا من مشاركة؟ ألا من إحساس بهذه المآسي؟ نحن لو شاركنا بأقل القليل فإننا نظل في نعم عظيمة من أمن وأمان، ورغد عيش ورخاء، وكثير من أسباب الحياة الرغيدة لو أننا اختصرنا شيئاً كثيراً فسنظل أيضاً في رغد وبحبوحة من العيش، وأقصد من هذا أن نشعر بهذه المعاناة، وألا نكون كافرين بنعم الله عز وجل، ولا جاحدين بفضله سبحانه وتعالى مما ساقه لنا من هذا الخير، ينبغي أن نسمع صرخات إخواننا وهم يقولون وبلادهم تقول: لكم يا إخوتي أكل وشرب وأكسية لها نسج عجيب لكم دار مشيدة وظل يظللكم به غصن رطيب لدى أطفالكم لعب وحلوى وعند نسائكم ذهب وطيب وما والله نحسدكم ولكن نقول أما لإخوتكم نصيب وصرخة أخرى لكثير من المسلمين الذين يسافرون باسم السياحة والنزهة إلى بلاد الغرب، فيدعمون قوتها واقتصادها باسم السياحة، ويعلنون أننا بصورة عملية غير غاضبين ولا مؤاخذين ولا عاتبين، بل وكأننا محبون أو مؤيدون أو مناصرون أو مشاركون لا سمح الله، فإن المال الذي تبذله إلى تلك الديار لا تستبعد أن يكون هو ذاته الذي يرتد رصاصاً في صدور إخوانك المسلمين في شرق الأرض وغربها، ولا تستبعد أن يكون هو الذي يرتد في صورة مؤامرات وجرائم وفضائع تنتهك هنا وهناك، فلماذا لا نفطن ولا يكون عندنا إحساس إيماني؟ ثم بعض أولئك الذين يغادرون إلى تلك الديار يريدون من أوروبا البيضاء بلحم نسائها الأبيض، ومخدراتها وسمومها البيضاء، ودخان سجائرها الضبابي الأبيض، يريدون أن يعيثوا في الأرض فساداً، فيعلنوا بذلك انسلاخهم عن سمت الإسلام، وأخلاقيات الالتزام، ويكونوا بذلك سبة وعاراً وسمعة سيئة على المسلمين، ويؤدوا بذلك مزيداً مما يرضي أعداءنا من التغرير والتضليل بأبنائنا.
فهذه صرخة ينبغي أن توقظ الناس أجمعين، ينبغي لنا بالفعل أن نستشعر في هذه الآونة -مع ضراوة الهجمة الشرسة- أنه ينبغي لنا ألا نكون سبباً -ولو من طريق غير مباشر، ولو بصورة ضئيلة- فيما يؤدي إلى تقوية أعدائنا وإضعاف إخواننا، من أعان على دم مسلم ولو بشطر كلمة لا يقبل الله عز وجل منه صرفاً ولا عدلاً.
كيف تكون هذه المواقف منا ونذهب هناك نسيح، ونجول، ونقابل، ونعانق، ونهش، ونبستم، ونبذل، وندفع، وننفق، ثم نعود ونقول: إن مواقف الغرب، أو مواقف الحضارة الغربية، أو الدول الفلانية مواقف لا تتسم بالعدل والإنصاف، ونحن قد عبرنا عملياً عن نوع من التضامن معهم، أو على الأقل السكوت وغض البصر عنهم! لابد لنا أن نفطن وأن ندرك هذا وأن نصيح في بني الإسلام: بني الإسلام هذي حرب كفر لها في كل ناحية لهيب يحركها اليهود مع النصارى فقولوا لي متى يصحو اللبيب أراكم تنظرون وأي جدوى لنظرتكم إذا غفت القلوب ستطحنكم مؤامرة الأعادي إذا لم يفطن الرجل الأريب لابد أن ندرك حقائق الإيمان التي بينها الله عز وجل لنا: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:٨٢]، وقوله سبحانه وتعالى: {لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:٨]، وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:٥١]، والآيات القرآنية التي تبين أن نصر الله عز وجل مرتبط بشرطه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، و {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:١٦٠]، وتطبيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وأن نعرف الحقائق في أضواء الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والسنن الربانية، وأن ندرك أنه لا تغيير إلا بتغيير، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، فأروا الله عز وجل تغييراً في نفوسكم صادقاً، وأوبة وتوبة نصوحاً، وصدقاً ورضاً ويقيناً بوعده سبحانه وتعالى، وغيرة وحماساً وحمية لنصرة الإسلام والمسلمين، وبغضاً وكرهاً وبراءً من المشركين والكافرين، فحينئذ يؤذن الله عز وجل إذا تغيرت القلوب والنفوس أن تتغير الأفكار والرؤى والتصورات، وأن تتغير من ورائها السلوكيات والأعمال والأخلاقيات، ومن بعد ذلك يتحد المسلمون على قلب رجل واحد، ويكون وقوفهم صفاً واحداً تجاه أعدائهم، ولذلك ينبغي أن نفطن وأن نفقه هذه الحقائق.
والله أسأل أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا، وأن يبصرنا بحقائق ديننا، وأن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، وأن يجعلنا أوثق الواثقين به، وأغنى الأغنياء به.
اللهم لا تجعل لنا إلى سواك حاجة، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا أفقر الفقراء إليك، وأغنى الأغنياء بك، اللهم اغننا بفضلك عمن أغنيته عنا، اللهم إنه لا حول ولا قوة إلا بك، فأمدنا بحولك وقوتك وتأييدك يا أرحم الراحمين! اللهم مكن في بلاد المسلمين لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع وأقم في الأمة علم الجهاد برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في البوسنة والهرسك وفلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! اللهم عجل فرجهم، ونفس كربهم.
اللهم تقبل موتاهم في الشهداء، اللهم وأعنهم على الكرب والبلاء، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم رد عنهم كيد الكائدين، وتآمر المتآمرين، اللهم إنا نسألك أن ترزقهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، خائفون فأمنهم.
اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج كربتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا ندرأ بك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم عليك بسائر أعداء الدين من الكفرة والطغاة والمتجبرين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، وخذهم أخذ عزيز مقتدر يا قوي! يا عزيز! يا منتقم! يا جبار! اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم استأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، وفرق كلمتهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! يا من أمره بين الكاف والنون! اللهم إنا نسألك أن تجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين! اللهم اجعل ولاة أمورنا في هداك، ووفقهم برضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم وفقنا لما تحب وترضى، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا يا رب العالمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّه